رياض الزهراء العدد 81 مناهل ثقافية
مَا لِهذا خُلِقنَا
أحياناً أتساءل لِمَ هذا الجدّ والعمل المتواصل؟ ألم يحن الوقت للراحة، والتمتع بالحياة قليلاً بعد هذا الكفاح والجهاد المستمر من دراسة وعمل ومسؤولية أولاد وبيت؟ لماذا لا أقضي الوقت للتمتع بمباهج الحياة ما دام لديّ الوقت والمال؟ عندها أسمع صوتاً من أعماق نفسي يقول: ما لهذا خُلقنا. تذكرتُ أنّ لديّ كتاب (جامع السعادات) فلِمَ لا أفتشّ فيه عن ضالتي وسعادتي؟ حقاً إنه لكتاب رائع جمع فيه الكاتب كلّ مفاتيح السعادة، وأجمل ما قرأت فيه وصف الدنيا وتقلّب الناس فيها، فهو يصفها بالسفينة التي تقف لمدة وجيزة على شاطئ جزيرة حيث يأمر الملّاح ركّابها بالنزول إلى الجزيرة لقضاء حاجتهم ثم الرجوع؛ ليبحر بهم إلى الوطن الحقيقي، وهنا نجد أصناف الناس، فالعاقل فيهم يقضي حاجته ليرجع إلى السفينة باكراً من دون الالتفاف إلى ما تحويه الجزيرة من أزهار وثمار و.. و.. فيجد المكان الواسع ويصل مطمئناً. ومنهم مَن تشغله الجزيرة بأزهارها وثمارها، ولكنه يتذكر أخيراً، وقبل أن تبحر السفينة يجاهد راكضاً للرجوع إليها حيث يجد مكاناً ضيّقاً فيها. ومنهم مَن تأخذه الجزيرة بجمالها، ولكثرة انغماره في أكل الثمار وشرب المياه والتنسم بالهواء والأزهار تسير السفينة ويبقى في الجزيرة دون تنبّهه بخطر رحيلها حتى يموت حسرة أو تأكله السباع فيها. أمّا مَن يصل إلى السفينة وقد حمّل نفسه الأزهار والثمار، فسرعان ما تذبل وتتعفن، فيتأذى من رائحتها حتى لا يقدر على إلقائها؛ لأنها ستصير جزءاً من بدنه، ولذا لن يصل إلى وطنه معافىً حتى يلاقي الأمراض والأسقام في أثناء سفره. عندها أفقتُ من حيرتي، وتأكدت أننا مسؤولون عن كلّ دقيقة ولحظة من حياتنا الدنيوية، لكي لا تضيع هباءً، ولابدّ من العمل والعمل والاجتهاد دون كلل ودون أن ننبهر بزخارف هذه الدنيا الفانية، لنفكر ملياً ما حالنا وكيف انغمارنا في حبّ الدنيا؟ ألم يحن الوقت لننفض عنّا أزهارها وثمارها الفائضة عن حاجتنا وهنا تذكرت قول نبيّنا الأكرم (صلى الله عليه وآله): “يا عليّ! نجا المُخِفّون”(1)، فلماذا نثقل كاهلنا بأعباء لسنا بحاجة إليها؟ لينتبه كلّ منّا إلى ما يعنيه، وما قصّر من حقوق لله وللناس في رقبته قبل أن يدعونا الملّاح النداء الأخير للانضمام إليه، قبل أن تبحر السفينة ولا نستجيب. ............................... (1) كلمات الرسول: ج1، ص100.