رياض الزهراء العدد 165 الحشد المقدس
طَرِيقُ الشَّهَادَةِ
في ليلة غائمة مختلفة عن مثيلاتها، في بيت ردّد صوت القرآن الكريم فجراً حيث يختلّ توازن الحبال الصوتيّة ولا يكون هناك سبيل إلى الانتقال والتنقّل عبر الجسد، فقط الروح هي من تتولّى المهمّة.. هناك التقط ذو العشرين عاماً سلاحه بعد السجود خجلاً، كي يخفي بعض العثرات التي تغلّف بأناقة على صاحب المشهد المشرف، بقشعريرة وارتعاشة، ورجفة لم يُدرك ماهيّتها.. ما إن عزم على الانطلاق حتّى اختلط وابلُ الدموع اللذيذ بقسم الشهادة ومناجاة انعقد بها لسانه بصمت.. يتلفّتُ بشوقٍ مُخيف.. يكادُ يقع من شدّة الصّبر.. مرّت الأسابيع وهو يلهجُ بآياتٍ من القرآن الكريم عند كلّ رصاصة، يهوي إلى الأرض مُحتمياً بعُصابة خُطّ عليها "يا زينب".. هناك يحتضن السلاح مكسوراً بعد ما مرّ عام وهو ينتظر الشهادة! يبكي بحُرقة حتّى احمرّت عيناه.. يتمايلُ احتراقاً وهو يصرخ والحزن يلفّه بغمّه.. مرّت الأيّام حتّى تساقط أخوتهُ الواحد تلو الآخر.. وهو لايزال يبكي ويبكي ويبكي..، ويتصدّع رأسه ألماً.. هناك في ليلةٍ غائمة حامت فيها السُحب السوداء فوق الساتر، حتّى أمطرت دموع التوسّل في ليلة الجمعة بعد ما أكمل الشيخ قراءة دعاء كميل، وإذا بالرصاص يهوي بالشهداء على وجه البسيطة.. حيث يطوّع السلاح ويتذلّل معلناً ثورةً أُخرى باسم الحسين (عليه السلام)، ثورةً لا تقبل بأنصاف الحلول ثورةً تعانق الشمس دون أفول.. ثورةً تمحي أثرَ الندوب.. تُسقط معها الرايات السود الكاذبة.. لتغلق أثر الثقوب.. بروحٍ طاهرة شبابيّة لا تعتذر، هتفت باسم القاسم، وعليّ الأكبر.. حتّى مضت دون تردّد.. ببأس واعتداد، ألقِ سلاحكَ حُرّاً، وحلّق نحو السّماء.. وعلى ذيول الانتظار سقط شهيداً بعد مناجاة، حيث تلك الإشارات الإلهيّة التي تحتضن دموعه ودعواته دفعة واحدة، بعد ما لامست يداه رحمة الله في طريق الشهادة.. كانت هناك دمعة قد وقفت خالية، صافية همست بآية كان يردّدها كلّ صَباح.. (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) (الطور: 48).