رياض الزهراء العدد 165 جائحة كورونا
فِي زَمَنِ كورونا.. أحزَانٌ يَروِيها أصحَابُها
كثيرة هي أيّام الأتراح والكرب التي مرّت علينا وعشناها كان مبعثها جائحة كورونا، واختلفت النكبات بين العُسر الماديّ وأوجاع المرضى، ولعلّ أشدّها إيلاماً فقدان الحميم أو القريب، وهناك مَن يجد صعوبة في محاولة نسيانها وتجاوزها، ويروون تفاصيلها بدقّة. وصفت السيّدة كوثر فجيعتها قائلةً: ساعاتٌ قضيناها أنا وأختي باكيات ناحبات واتّصلت مشاعرنا عبر شاشة الموبايل رغم بُعد المسافة بيننا، وانهمرت الدموع تتسابق على الخدود، وأحسستُ بلوعة فَقدها لروح عزيزة عليّ وقطعة منها، ذهبت لبارئها وهي بنت العشرين ربيعاً وحيدة لأهلها، ولم تشتكِ يوماً من شيء إلّا أنّ هجمة الفيروس الوبائي في بداية انتشاره كانت شديدة عليها، فأتلف رئتيها خلال أيّام قليلة على الرغم من كلّ محاولات الأطباء لإسعافها، ودعوات أمّها، وتقول السيّدة كوثر: إنّ المحنة الحقيقيّة التي تركت وجعاً ولا أظنّ أنّي سأنساها هي تأنيب ضميري لعدم استطاعتي الذهاب إلى أختي ومواساتها رغم احتياجها لي، فأنا الأخت الوحيدة لها، حينها كان الفيروس في بداية موجته الأولى والحظر مشدّداً، وكان رفض زوجي قاطعاً بعدم السفر من كربلاء محلّ إقامتنا إلى البصرة حيث تقطن أختي، ومع أوّل فرصة سافرتُ إلى البصرة مثقلة بالحزن والخجل. والحاجّ أبو مرتضى رجل ستينيّ يقول: منذ أن غزا الشيب رأسي وتركتُ مسؤوليّات المنزل لولدي الأكبر، وأنا مع كلّ فجر يوم جديد أسلك الطريق إلى الجامع، وأطيل في الصلاة وقراءة القرآن الكريم لأعوّض ما فاتني في سنين شبابي، وعند اشتداد موجة كورونا وإغلاق الجوامع كأحد إجراءات التباعد الاجتماعيّ، استمررتُ بالذهاب والصلاة خلف باب الجامع المغلق، وطلبتُ من إمام الجامع وهو صديق عزيز أن يترك لي سجّادة الصلاة وتربة الإمام الحسين (عليه السلام) على سور الجامع، وذات يوم رجعتُ من الجامع فرآني ابني وفَزِع من الدماء التي تسيل من إحدى قدميّ، وقد جرحتُ رجلي بشيء حادّ عند عودتي من دون أن أدري، ولأنّي مُصاب بالسكّريّ ولا أشعر بأرجلي وأتوكّأ على عصاي لم أشعر بالنزيف طوال الطريق، وعلى أثرها دخلتُ في أزمة صحيّة حادّة جعلتني أصلّي وأنا جالس، ولكن عند سماعي بإعادة فتح المساجد سعدتُ كثيراً، وأتمنّى أن يمنّ الله تعالى عليّ بالصحّة وأرجع مرّة أخرى من روّاد المساجد، عسى الله تعالى أن يرضى عنّا ويجعلنا من المحسنين. ويُخبرنا أبو إسراء عن محنته قائلاً: أوقفوا الإجازات وأنا كنتُ في الجيش، ورغم كتمان خبر إصابة أمّي بالفيروس اللعين عليّ، لكنّي رأيتُ مناماً جعلني استيقظ من نومي قلقاً عليها، وبعد إلحاحي الشديد على الأهل أخبروني بمرضها، كانت أيّاماً صعبة واجهتُها، وكان الخوف كلّ الخوف من أن تموت وأنا بعيد عنها، أحد زملائي ولكثرة شكواي أعطاني دعاء الصباح المروي عن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: يا أخي اقرأه كلّ يوم وادعُ لها بالشفاء، إنّ الله تعالى سميع مجيب، ومسكتُ الدعاء وكأنّه منقذي، ومع كلّ صباح كنتُ أقرأ الدعاء وأتوسّل بالله تعالى أن يشفيها، حتّى جاء الأمر بفتح باب الإجازات، وهرعتُ إلى أمّي وكانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، ودّعتها إلى مثواها الأخير وفي نفسي رضا؛ لأنّها قالت لي: إنّي راضية عنكَ يا ولدي. فيروس (كورونا) سطا على أمننا وأفراحنا وسلب الكثير منها، ولكن علينا المضيّ قُدماً في الحياة، نرمي أحمالنا على الله تعالى، ومَن يظنّ بالله تعالى الظنّ الجميل لن يخسر، وسيعوّضه الله تعالى خير تعويض.