رياض الزهراء العدد 165 منكم وإليكم
لُؤلُؤَةُ الجَنَّةِ
من هناك أتتْ، من عالم عُلويّ، عالم نقيّ، لا يعرفه سوى الأنبياء، ولا تسكنه سوى الملائكة بدأت تنمو كلؤلؤة في حنايا صدفة، وكفراشة جفّ جناحاها تستعدّ للطيران. آن لتلك المخلوقة الملكوتيّة أن يسطع نورها في عالم الوجود، آن لتلك النبتة الجنّتيّة أن تنمو لتكون شجرة باسقة وارفة الظلال، غزيرة العطاء، آن لها أن تتألّق في عالم الحياة وتنشر شذاها في ربوع البسيطة، وها هي خديجة الكبرى تُطلق أنّات الميلاد المبارك، فيشعّ نور الزهراء (عليها السلام) ليملأ الخافقين. أطلّت بوجهها المبارك الوضّاء، فبُشِّر النبيّ (صل الله عليه وآله) بالمولود العظيم، معين الصفوة المباركة من بنيه، من ذلك العالم النورانيّ تجلّت كنفحة شذيّة وبسمة سَنيّة سطعت من ثغر النبوّة، فاطمة (عليها السلام) وما أدراك ما فاطمة؟ لؤلؤة الجنّة، طاهرة نقيّة، حوريّة إنسيّة، أنشودة الكمال، ونَغَم العفاف، رائحة الجنان وريحانة الزمان، وآية الرحمن، وسيّدة النسوان، مهجة الهادي، ومحور النور، وربيبة القرآن الكريم، كلّ حرف من حروف اسمها ترنيمة تأسر النفوس والأرواح، الراضية المرضيّة، والمحدّثة الزكيّة، نجمة تومض للسماوات، مثلما تومض الكواكب للأرض، بدأت سليلة النبوّة رحلتها في هذا العالم الأرضيّ، لتكون مثالاً للأنثى الكاملة ورمزاً للعفّة. السيّدة الأولى، والصدّيقة الكبرى، مستودع العلوم، الزهراء (عليها السلام) تخجل الشمس من نورها، وتسجد الملائكة لعظمتها، مشكاة الأنوار وأمّ الأطهار (عليهم السلام). فكانت خير مؤنس لأمّها، وخير بنت لأبيها وخير أمّ لأولادها، وخير زوجة لخير وصيّ، جمعت كلّ المعاني السامية في ذاتها، تلك هي فاطمة (عليها السلام) الأنموذج الكامل الفانية في ذات الله تعالى والمنصهرة في عبادته؛ لذلك يرضى الله تعالى لرضاها ويغضب لغضبها. وستبقى هذه اللؤلؤة الفريدة متألّقة في عالم الوجود؛ لأنّها خُلِقت لتكون كذلك، نادرة الوجود لا يسبر غورها أحد، ولأنّها هبة السماء إلى أهل الأرض، وهبة السماء باقية لا تزول.