قَمرانِ وَرحمةٌ أَبجدِيّةٌ مُضيئةٌ

رشا عبد الجبّار/ البصرة
عدد المشاهدات : 121

ترتع روحي حبّاً في تلك الذكريات المكتوبة، المحفورة في ذاكرتي، نتاج ما قرأتُه عن رجال عظماء ونساء جديرات بالفخر، تثير سيرتهم في نفسي الشموخ والكبرياء، ولو أتكلّم عليهم العمر كلّه لا أسأم ولا أملّ. عبد الله الذي كان شابّاً طاهراً عفيفاً، يغار البدر من جماله وصفاته، وآمنة سلسال ياقوت أخضر، ربط الله تعالى قلبيهما بعقد الطهارة والعفاف، فهما أطهر وأنقى من أن تدنّس الجاهليّة روحيهما، حجور طابت وطهُرت، وكأنّهما نوران ألِف أحدهما الآخر لشدّة نقائهما وطهارتهما في زمن جاهليّ وعادات بالية، عند قوم يعبدون الأصنام، ويفخرون بتعصّبهم وضلالهم، لم يسلما من غدر القوم، فقد تعرّض عبد الله إلى محاولات قتل عديدة من قِبل اليهود، فهم يعرفون عنه كلّ شيء أكثر ممّا يعرفون عن أبنائهم عن طريق كتُبهم. والسيّدة آمنة أيضاً تعرّضت إلى محاولة اغتيال في أثناء حملها من قِبل إحدى الماشطات بأمرٍ من زرقاء اليمامة. ولكن إرادة الله تعالى اقتضت أن يرتحل عبد الله إلى جوار ربّه بعد رجوعه من رحلة التجارة إلى المدينة، حيث مَرِض وبقي عند أخواله وتوفي هناك، وآمنة تتحرّق ألماً على فراق زوجها الحبيب، لولا أنّها كانت تحمل في أحشائها جنينها الذي كان يؤنسها، ثمّ بعد أشهر أطلّ بقدومه المبارك، فخفّف عنها الحزن، فهو يُغدق بِيُمن وجوده على روحها ووجودها بلسماً شافياً، وكيف لا وهو الخاتم الموعود، المبعوث رحمة للعالمين. ................................. * يُنظر بحار الأنوار: ج١٥، ص٣٢٢.