رياض الزهراء العدد 165 منكم وإليكم
لا تَنَصّلَ مِنَ المَسؤُوليّةِ ..
يمثّل إقامة الأسرة مطلبًا مهمّاً لبني البشر، وهدفاً تسعى عادةً إلى إشباع تصوّراته العلوم الإنسانيّة؛ حتّى برز فيها العلماء والمنظّرون، وقد أشبع الإسلام جوانب متعلّقة بالأسرة. فابتدأت الخطوات الأولى من الدعوة إلى تكوين أسرة إلى الطُرق الكفيلة ببنائها، ولم يكن أمراً صعباً بل متاحاً لكلّ إنسان ينوي أن يكوّن أسرة مؤمنة يُبنى أساسها على العفاف والصدق والطُهر. ثم إنّ واقع الحياة يفرض على الزوجين أن يعملا قدر الإمكان للمحافظة على دفء السعادة في حياتهما لما له من تأثير في سلوك الأولاد، وذلك يجعلهم يعيشون في ظلّ الهدوء فضلاً عن السكن النفسيّ لِكلا الزوجين. ثم إنّ الاهتمام بالجانب التربويّ والنفسيّ للأبناء أهمّ بكثير من الجانب الماديّ، ونحن لا ننكر أنّ المادّة هي وسيلة في الحياة وليست غاية، ولكن هل تستحقّ هذه المادّة الأهميّة الكبرى في حياة الأسرة بحيث تترك الأمّ أبناءها ولساعات طويلة من أجل زيادة الدخل؟! - ونحن هنا لا نعمّم- فقد تكون بعض الأُسر مكتفية من الجانب المادّي، وتعتمد على ربّ الأسرة في توفير المتطلّبات اليوميّة للأسرة. لكن تبحث المرأة في بعض الأحيان عن مسألة العمل خارج المنزل .. وهذا الأمر يسبّب إرباكًا في الحياة الأسريّة، وشيئاً فشيئًا يزول دفء العائلة واستقرارها بسبب المشاكل الناجمة عنها. فالطفل الذي لا يجد والدته بقربه وهو في سنّ يحتاج فيه إلى التوجيه والرعاية، فمن أين يحصل على متطلّباته إذا كانت الأمّ خارج المنزل؟ فمن البديهي أن تأخذ هذا الدور في حضانة الطفل إحدى الجدّات، أو الجارات، ومَن قال إنّ حضن الأمّ يعوّض؟! فقد ينجح الإنسان في كثير من مشاريعه الحياتيّة، وربّما يحصل على العديد من الشهادات والأوسمة، ولكن إذا دخلتَ بيته تراه أوهن من بيت العنكبوت، لا مودّة فيه، ولا محبّة، ولا روابط أسريّة متينة، بل جوّ بارد فاقد لمفاهيم البيت الدافئ، والحال أنّ هؤلاء الأطفال هم أمانات استودعها الله (عز وجل) في حجور الأمّهات. فرُبّ سائل يسأل فيقول: ولِمَ نركّز على الأمّهات؟! والآباء ألا يُوجد لهم دور؟! فيكون الجواب: عندما يكون التركيز على الأمّهات؛ لكونهنّ الحضن الأوّل، والمدرسة الأولى التي يأخذ منها الصغير كلّ ما يحتاجه حتّى يغلب حنانها -في كثير من الأحيان- على حنان الآباء. وبالطبع للأب دور مهمّ.. فدوره بوصفه ربّان السفينة الذي يوصلها إلى برّ الأمان على الرغم من تقلّبات أمواج الحياة، لكنّ المحرّك والوقود الأساسيّ لتلك السفينة هي الأمّ. فيا أيّتها المربيّة الفاضلة: لو كانت الحالة الماديّة للأسرة مستقرّة والرجل لم يقصّر يوماً في تلبية متطلّبات المنزل، فلِمَ الخروج إذن؟! فالمسؤوليّة الكبرى تقع على عاتق الأمّ في تربية الأبناء، ولا ينبغي أن يدخل التقصير في أدائكِ فتكونين في معرض الحساب غداً. ولمَن تُترك تربية الأولاد؟! نتركهم للإعلام الذي بدأ بتربية جيل الأطفال والشباب؟ فضلاً عن الثقافة الأجنبيّة التي تسلّلت إلى دُورنا، وربّما خدعت الكبار قبل الصغار؟ وهذا يضفي عوائق كبرى على التربية؛ فهذه الوافدات الثقافيّة تضيف تحديّاً كبيراً أمام الوالدين، وعليهما أن يبذلا الجهد والوقت الكافيين لتنظيم حياة أولادهما. ولا يختلف اثنان على أنّ التربية هي عمليّة تكامليّة قائمة بين طرفين، كلّ منهما يقوم بعمله ويكمّل أحدهما الآخر، وأيّ تقصير من الأوّل يؤدّي إلى حدوث خلل تظهر آثاره السلبيّة ولو بعد حين.. وإذا رغبت المرأة في العمل.. فيمكن أن تعمل في حدود المسموح لها شرعاً، وإن أرادت النجاح في مشروع معيّن، فليكن من داخل بيتها وأولادها تحت نظرها وعنايتها؛ فيصير بيتها مصنعاً للرجال، ومكسباً يُعينهم على تقلّب الأحوال.