(وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)(1)

سماهر عبد الجبّار الخزرجيّ/ ديالى
عدد المشاهدات : 184

الزواج رباط مقدّس يجمع بين الرجل والمرأة، وهو صلة شرعيّة مباركة، الغاية منها حفظ النوع البشريّ، وإنشاء أفراد صالحين قوامهم الأخلاق والفضيلة، وهو مطلب فطريّ عند الإنسان، وهو من الأحكام الوضعيّة التي تترتّب عليها جملة من الأحكام الشرعيّة من وجوب الإنفاق والتمكين وغيرها، وتنشأ من جرائه مسؤوليّات عدّة. وقد يبدو أنّ الزواج من القضايا الشخصيّة التي تخصّ الفرد، ولكنّه على العكس عبارة عن مؤسّسة تُخرّج أجيالاً واعين إن تمّت تربيتهم بصورة صحيحة وَفق التعاليم الإسلاميّة، فالأفراد المنطوون تحت هذا الزواج هم اللَبنة الأساسيّة التي يُقام عليها صلاح المجتمعات، فعليه يكون لزاماً على الرجل الراغب في النكاح أن يراعي اختيار الزوجة الصالحة والشريكة النافعة المناسبة، التي تكون له عوناً وسنداً في تكوين أسرة ناجحة، فلا تكوننّ غايته منصبّة على أن يقترن بالزوجة ذات الحُسن والحسب والجاه والغنى. وقد وردَ في مواطن كثيرة في القرآن الكريم، والسنّة النبويّة الشريفة الحثّ على الزواج لما له من فضيلة وآثار جليلة، والكثير منها أكّدت على حُسن اختيار الزوجة، وعدم الاقتران بمَن تحمل الصفات البذيئة والرذيلة، وحثّت على الاختيار الصحيح، فقد ورد عن النبيّ (صل الله عليه وآله): "تخيّروا لنطفكم فإنّ النساء يلدنَ أشباه إخوانهنّ وأخواتهنّ"(2). فالرواية ظاهرها يخبرنا أنّ الولد يكتسب الصفات الوراثيّة من الأخوال والخالات، سَواء كانت حسنةً أو سيّئة، ونلاحظ في سيرة المعصومين (عليهم السلام) الدقّة في انتقاء الزوجة، (وفي عقيدتنا أنّ المعصوم لم يلتقِ له أبوان على سفاح قطّ) وأنّ الله تعالى كان ينقلهم من الأصلاب الشامخة إلى الأرحام المطهّرة، وكِلا الأبوين من الموحّدين؛ حيث لم تنجّسهم الجاهليّة بأنجاسها، مثلما ورد ذلك في زياراتهم (عليهم السلام).(3) ومن شواهدنا في هذا المجال هو كيفيّة ارتباط عبد الله والد النبيّ (صل الله عليه وآله) بآمنة بنت وهب (عليها السلام)، إذ يروي لنا التأريخ أنّ عبد الله كان أجمل الناس وجهاً، وأحسنهم نسباً وخُلقاً وكان نور النبوّة يشعّ من جبينه، وقد رغب فيه رؤساء مكّة وأشراف العرب فأبى ذلك، وفي حادثة نُعرض عنها اختصاراً، أخذ عبد الله بمجامع قلب وهب والد آمنة. فطلب وهب من زوجته أن تعرض ابنتهم على والدة عبد الله، هنا نلاحظ سعي الوالد إلى اختيار الزوج الصالح لابنته، لما في ذلك صلاح في الدارين، فتطرق أمّ آمنة باب عبد المطلب عارضة عليهم ابنتها، وهي تلك الفتاة المحتشمة في نفسها والطاهرة المطهّرة بحسب شهادة عبد المطلب وهو يعرضها على ابنه عبد الله، فتلك الأخلاق الطاهرة والسَمت الشريف جعل عبد الله يرضى بها زوجةً، ويروي التاريخ أنّه في طريق عودة برّة (والدة آمنة) وهي مستبشرة برضا عبد الله بآمنة زوجةً له، إذ سمعت هاتفاً يقول: بخٍ بخٍ لكم، قد قرب خروج المصطفى (صل الله عليه وآله)(4). ويأتي دور والدة عبد الله لتطّلع على عروس ابنها لترى مدى صلاحيّة تلك الزوجة، ومدى أهليّتها لتحمّل نور النبوّة، ذلك الذي يشعّ جبينه بنور النبوّة، فإذا بها تخاطب ولدها: يا ولدي ما في بنات العرب مثلها أبداً، ولقد ارتضيتُها، وإنّ الله تعالى لا يودع هذا النور إلّا في مثل هذه... فيتمّ الارتباط المقدّس ليثمر ذلك المشروع الإصلاحيّ العظيم، مثلما تعرّض ذلك الزواج إلى محاولات هدم بمعول النفاق والخديعة إلّا أنّ الله تعالى حفظ تلك النخبة المنتقاة من أجل سعادة البشريّة في الدارين، ويُشرق نور النبيّ محمّد (صل الله عليه وآله) ليملأ الخافقين نوراً وأملاً(5). ...................................... (1) (الشعراء: 219) (2) ميزان الحكمة: ج4، ص 190. (3) راجع بحار الأنوار: ج31، ص409. (4) مناقب آل أبي طالب: ج1، ص26. (5) بحار الأنوار: ج15، ص90.