الزَّهراءُ (عليها السلام) مِشكَاةُ نُورِ اللهِ جَلَّ جَلالُهُ

زينب شاكر السمّاك/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 223

إنّ الله تعالى أراد للإنسان أنّ يتحرّك باتجاه الكمالات المطلقة التي يتّصف بها الله تعالى، وبطبيعة الحال لا يمكن للإنسان أن يصل إلى ذلك الكمال المطلق، وإنّما أراد له سبحانه التحرّك باتّجاه ذلك الكمال وباتّجاه العلم لأجل أن يكون في طريق العلم الإلهيّ الكامل، وأراد أن يتحرّك باتّجاه الجود والإحسان والخير، وكلّ تلك الأمور توصله إلى الكمالات الإلهيّة التي تأتي عن طريق الإخلاص في العبوديّة لله تعالى، وهذه المسيرة في حركة التكامل نجدها في شخصيّة الزهراء (عليها السلام) وصفاتها، إذ كانت (عليها السلام) من الأبرار الذين وصلوا إلى أعلى درجات التكامل في حركة العبوديّة لله تعالى، والتقوى والارتباط به تعالى، فقد مثّلت (عليها السلام) المحور في هذه الحركة. إنّ ذكرى ولادة الطفل الأوّل تبقى عالقة في ذهن الأبوين، فهي ذكرى متميّزة بالنسبة إليهم لكونها فرحتهما الأولى، وخاصّة إن كانت المولودة بنتاً، فالبنت حبيبة أبيها، فكيف والأب رسولنا الكريم (صل الله عليه وآله) والمولودة هي فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فبولادتها (عليها السلام) أنارت بيت الرسالة وأضاءت حياة الأمّة الإسلاميّة، وُلِدت (عليها السلام) بحسب الروايات في العشرين من شهر جمادى الآخرة من السنة الخامسة بعد البعثة النبويّة، وبعد الإسراء بثلاث سنين، نشأت في أحضان الوحي والنبوّة، وترعرعت في جوّ مُلئ بالإيمان والروحانيّة، وتغذّت من هذا الجوّ فكريّاً وروحيّاً. شكّلت ولادة الزهراء (عليها السلام) تحوّلاً كبيراً في حياة الأمّة الإسلاميّة، جاءت البتول (عليها السلام) لتؤسّس للأنموذج الكامل للمرأة؛ لأنّها مثّلت الجانب المتكامل في حركتها السلوكيّة، فأصبحت المثل البشريّ الأعلى الذي يتحرّك على الأرض ويجسّد أخلاق السماء ومفاهيمها، والعقائد التي أرادها الله تعالى، وأصبحت (عليها السلام) مصداقاً للمخلوق الذي نفخ الله تعالى فيه من روحه، وجعله خليفته في الأرض. كانت الزهراء (عليها السلام) قدوة ومثالاً في الحركة العلميّة، إذ كانت عالمة غير معلّمة، يأتي إليها بعض أصحاب رسول الله (صل الله عليه وآله) لينهلوا منها العلم، وفي الوقت ذاته كانت قدوة في العبادة، وامتازت سيّدتنا (عليها السلام) برجاحة العقل وطيب الخلق وكرم النفس، فهي قدوة المرأة المسلمة التي تتّصف بالشخصيّة القويّة والإنسانيّة العالية فضلاً عن ذكائها وفطنتها الحادّة وعلمها الواسع، غذى النبيّ (صل الله عليه وآله) بضعته الطاهرة بالمُثل العليا والقِيم الكريمة، والزهد في الدنيا وعدم الاحتفاء بزينتها، كانت (عليها السلام) معصومة، والعصمة هي من عناصرها (عليها السلام) ومقوّماتها الذاتيّة التي لا يمكن الجدل فيها، فقد زكّاها الله تعالى من كلّ إثم، وعَصَمها من كلّ ذنب وحباها بكلّ فضل وجعلها قدوة لجميع النساء. ومن المؤكّدات أنّ عصمة الزهراء (عليها السلام) لا تُناقش، ولا يمكن القياس عليها لكونها (عليها السلام) خُلقت كاملة متكاملة، وعلينا أن نتّخذ منها نبراساً نسير خلفه؛ لذا عزيزتي المرأة استمدّي من نور الزهراء (عليها السلام) نوراً لتنيري به عتمة حياتكِ، واستمدّي من كمالها علماً وفقهاً وسلوكاً لتكوّني شخصيّتكِ وتكوني على خير.