رياض الزهراء العدد 165 ألم الجراح
سُر َّمن رَأى في حَضرةِ سِرِّ اللهِ تَعالى
كلّما اشتقتُ إلى حديث السماء وإلى رؤية تلك الآيات المقدّسة في كتاب الله الكريم متجسّدة، تجدني أبحث في تجاعيد أعتاب ضريحكِ يا سامراء، هناك حيث يغفو قلبي مطمئنّاً في أحضان بركات المعصومين (عليهم السلام)، فكم لقي سكينة تحت بريق قبّتهم الطاهرة، وكم استنار من نور هديهم في تعرّجات الدروب، هناك حيث أغمض عينيّ وتستسلم حواسّي بانتشاء لعطر التسبيح والتهليل. لكن هذه الليلة اختلفت نسائم الضريح، فقد فاح نسيم الجنان يحرّك في النفس مشاعر خفيّة. إنّها ليلة العشرين من جمادى الآخرة، وأنا كعادتي واقف قبالة ضريح العسكريّين . أسند رأسي على جدار هذا المكان الطاهر، فإذا بي أستمع لهمسات تنساب إلى أذنيّ لحديث عَذب لأربع نساء تُحيط بهنّ هالة من الأنوار الإلهيّة، أراهنّ بقلبي يُحطنَ بامرأة جليلة يبشّرنها بأنّه اليومُ الموعود. وما هي إلّا لحظات وامتزجت بها صرخة الأمّ بصرخة المولود، لتجد الأمّ نفسها حاملة بين يديها هبة الله العظمى، تفّاحة الجنان (فاطمة الزهراء (عليها السلام))، فتلقّفتها الأيدي لتحملها السيّدة مريم العذراء، وتقبّلها سيّدتنا حوّاء، و تباركها السيّدة آسية بنت مزاحم، وتحنّ عليها السيّدة كلثم أخت نبيّ الله موسى بالدعوات لتعود مرّة أخرى إلى أحضان المودّة والسكينة لتحتضنها السيّدة خديجة (عليها السلام) بحنان الأمّ الرقيق، وراحت شفتاها تشكر الله العظيم على عظيم نعمته وتأنس بشمّها من جبينها الذي أزهر في آفاق الملكوت بالأنوار المحمّديّة. لينطلق الأذان من شفاه المصطفى (صل الله عليه وآله) المقدّسة مجلجلاً عبر المنابر فرحاً، وكأنّه ينثر زهراً مستبشراً بولادة الكوثر المعطاء لينساب إلى مسامعي الملهوفة على ذكرهم الكريم، وتندمج الأحرف لتبعث في قلبي الاطمئنان والأمان. ما أعظم ذلك الاسم: (فاطمة)، فيه طاقه تلفّ الضريح، ويتدفّق منها عبق يتناثر، ويختلط بأريج الورود والرياحين التي زيّنت أركان المرقد المقدّس؛ لتشعر وأنتَ تحت القُبَب الزواهر بولادة السيّدة الزهراء (عليها السلام) بعنفوان الانتصار يسمو في خشوع وبهاء. قد أفقتُ من غيبوبتي اللذيذة، فما ألذّ اللقاء لقلب متشوّق إلى رؤية مولاه، لأرى ضريح النقاء وتُفتح أبواب النهار وكأنّها أبواب الجنان، فقد ذاب شعاع الشمس في ضيائها ليشعّ ألق ملكوتيّ يبدّد الظلمات، وحينها تغرق النبضات بسحر التراتيل والمناجاة، عجيب سحركِ يا سامراء فهو يتّسع لكلّ القلوب والأنفاس والأصوات.