رياض الزهراء العدد 166 تنمية البشرية
أَطبقْ شَفتيكَ...
كلّ مَن يخوض في غمار الكتب ويتجوّل بين أروقة الصفحات الثريّة بالكنوز المعرفيّة التي لا تقدّر بثمن، لابدّ من أن تقع عيناه على كمّ هائل من الأحاديث والروايات التي تتناول موضوع (اللسان) بشقيّه الإيجابيّ والسلبيّ، بحيث يتمّ تناول حالاته بكلّ إسهاب، ليتمّ وضع النقاط على الحروف، وتحديد الخطوط الحمراء التي لا يمكن للإنسان تجاوزها في حال أراد العيش بسلام في جوّ من الاطمئنان الداخليّ الذي لابدّ من أن يؤثّر في عالمه الخارجيّ والمحيط به أيضاً. قال الإمام عليّ(عليه السلام): "اخزنْ لسانكَ وعدّ كلامكَ، يقلّ كلامكَ إلّا بخير"(1)، نستشفّ من حديث أمير البلغاء(عليه السلام) خطورة إطلاق العنان لتلك النعمة الإلهيّة، والوسيلة التي إن أُحسن استخدامها فإنّها من أفضل وأسرع الوسائل لشكر الله(سبحانه وتعالى)، وللتحميد والتسبيح وكذلك الاستغفار، وكلّها من دواعي نيل حبّ الله لنا، وهي غاية الآمال المعقودة، وعندما يتمّ التأمل قليلاً في كلمة (اخزن) سنجدها عموماً تُطلق على ما نريد استثماره فيما بعد من ذهب أو ورق، وكلّ شيء ذي قيمة ماديّة أو معنوية لدينا، ومن الممكن أن يتمّ استبدال كلّ أمر يجلب الأذى للمقابل، والعمل على استحضار المشاعر الإيجابيّة التي تعمل على إشاعة روح المحبّة والأخوة بين الناس، ومن ثمّ مدّ جسور التفاهم والتسامح الذي نحتاجه بشدّة، بل نكاد نفتقر إليه في حياتنا، وممّا لا شكّ فيه أنّه من الممكن أن يُطلق اللسان كالسيف الصارم الذي يقطع كلّ أواصر المحبّة والألفة عن طريق شنّ كافّة أنواع الحروب المخفيّة والعلنيّة على حدّ سواء، من تشويه للسمعة، أو انتقاص من الشأن، وتسقيط للآخر، ومن ثمّ انهيار عوائل كاملة وبأقلّ كلفة ماديّة وجسديّة، ومن المهمّ هنا أن نورد ما قاله رسولنا الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم): "يَا عَلِيُّ مَنْ خَافَ النَّاسُ لِسَانَهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، يَا عَلِيُّ شَرُّ النَّاسِ مَنْ أَكْرَمَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ وَشَرِّهِ"(2)، ويتبيّن لنا كيف أنّ المحيط سيتجنّب ذاك الشخص صاحب اللسان المسيء للآخرين، فيظهرون له عكس ما يبطنون تجنّباً لشرّه. من المهمّ أن ندرك أهميّة الكلام وكيفيّة جعله باباً من أبواب الخير المشرّعة أمام الإنسان، وعليه أن يختار إمّا مفتاح الخير وإمّا الشرّ، ومثلما ورد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): "والّذي نفسي بيده ما أنفق الناس من نفقة أحبّ من قول الخير"(3)، فالكلام في الحقّ خير من السكوت عن الباطل، ولنا أن نبدأ بتدريب أنفسنا على اختيار الكلمات المناسبة للحدث المناسب، وتزيينها بالنبرة الداعمة لتظهر للمقابل بأجمل وأبهى صورة ممكنة، فتؤتي أكلها كلّ حين، وأن نهتمّ بالاستماع أكثر من الحديث؛ لنتمكّن من انتقاء أفضل المعاني، ولنصل إلى مرحلة التحكّم بردود الأفعال، والأحكام المسبقة عن طريق حركة بسيطة جاءت بعد تدريب شاقّ، ألا وهي: إطباق الشفتينِ فقط. ....................................... (1) ميزان الحكمة: ج4، ص 24. (2) وسائل الشيعة: ج 16، ص34. (3) مستدرك سفينة البحار: ج 238، ص1.