يَا بُنيّ، للمؤمنِ ثَلاثُ سَاعَاتٍ
ليلى: على جادّة الحلول والمعالجة للكسل نقف عند محطّة أخرى وهي كسر الرتابة، فكون عمل الإنسان على وتيرة واحدة أمرٌ متعب للنفس، مُجلبٌ للملل ومن ثمّ الكسل، فالتنوّع والتغيير مطلوبان في يوم الإنسان وشهره وسنته، فعنصر التنوّع والتقسيم مهمّ جداً، فيقسّم اليوم إلى ساعات ويحدّد لكلّ ساعة ما يناسبها من سلوك ونشاط وأفعال. بتول: هل هناك أحاديث لأهل البيت(عليهم السلام) تؤيّد كلامكم؟ ليلى: نعم، كمثال على هذه الروايات منها ما رُوي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال لابنه الحسن(عليه السلام): "يا بنيّ، للْمُؤمِنِ ثَلاثُ سَاعَاتٍ، فَسَاعَةٌ يُنَاجِي فيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يَرُمَّ مَعَاشَهُ، وَساعَةٌ يُخَلّي بَيْنَ نَفْسِهِ وَبينَ لَذَّتِهَا فيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ، ولَيْسَ لِلمُؤمِنِ أَنْ يَكُونَ شَاخِصاً إِلَّا فِي ثَلَاثٍ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ خُطْوَةٍ فِي مَعَادٍ أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ"(1). هدى: كثيرًا ما نرى أنّ الناس تركّز على الساعة الأولى والثانية وطبعاً هما ساعتان مهمّتان جدًا، فإذا تحوّل يوم الإنسان إلى مناجاة ومحاسبة، فهذا اليوم ناقص في منظور الإمام عليّ(عليه السلام). حميدة: نحن بحاجة إلى الساعة الثالثة، إذ تلتذّ فيها نفس الإنسان وترتاح، فمواصلة العمل بدون راحة يُضعف البدن ويقلّل إنتاجه، وقد وضّح رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أهميّتها في قوله: "...، وساعَةٌ يَخلو فيها بَحَظِّ نَفسِهِ مِن الحَلالِ؛ فَإِنَّ هذِهِ السّاعَةَ عَونٌ لِتِلكَ السّاعاتِ وَاستِجمامٌ لِلقُلوبِ، وتَوزيعٌ لَها"(2)، فهي إذن بمثابة العون للإنسان يتزوّد منها ليؤدّي حقّ الساعتين الأوليين. بتول: إذاً برنامج الإنسان اليومي لابدّ من أن يكون فيه ترويح للنفس وتنوّع في النشاط. ليلى: لاحظوا! حتّى العبادات فيها تنوّع وتعدّد، وليست على نمط واحد ووتيرة واحدة. فالعبادة ليست صلاةً وصوماً فقط؛ وإنّما هي مجموعة من الممارسات، تختلف كيفيّةً ومكاناً وشروطاً وزماناً، وهذا التنوّع يزيد الإنسان نشاطاً وإقبالاً على العبادة، فالشخص الذي لا يتخلّل برنامجه زيارةً لأقاربٍ أو لقاءٍ بالمؤمنين أو ذهابٍ إلى المسجد، أو مشاركةٍ للناس في أفراحهم وأتراحهم، وغيرها من المفردات التي تكسر الرتابة، فهذا الشخص مع مرور الوقت سيصاب بالكسل وعدم الإنتاج. قال الإمام الصادق(عليه السلام) لِعُمَرَ بنِ يَزيد: "لِكُلِّ شَيءٍ شَيءٌ يَستَريحُ إلَيهِ، وإنَّ المُؤمِنَ يَستَريحُ إلى أخيهِ المُؤمِنِ كَما يَستَريحُ الطّائِرُ إلى شكله"(3)، فلقاءُ الأخ المؤمن راحة للنفس وتجديد للطاقة. حوراء: تماماً، كالجلوس معكنّ، حيث يبعث في الروح الراحة والنشاط. هدى: ومن الأمور التي تكسر الرتابة أيضاً والتي وردت عن لسان المعصومين(عليهم السلام) السفر، فهو فرصةٌ للابتعاد عن ضغوط الحياة ومشاكلها، وله تأثيرٌ في صحّة الإنسان النفسيّة، فقد رُوي عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: "سافروا تصحّوا، سافروا تغنموا"(4). زينب: وكذلك أكّد علماء النفس على السفر، فالسفر يُنعش النفس ويُزيح الملل ويمنح السعادة والراحة، إذاً هو علاج لمناشئ الكسل وأسبابه. حميدة: رزقنا الله وإيّاكم سفراً لزيارة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والبضعة الزهراء(عليها السلام)، وآله النجباء(عليهم السلام) تعرج فيه الروح وتنال النفس بُلغتها ومناها. يتبع... ........................................ 1- الأمالي للطوسيّ: ج1، ص162. 2- وسائل الشيعة: ج16، ص 82. 3- بحار الأنوار: ج71، ص 237. 4- المحاسن: ج 26، ص 3.