طَرِيقُكِ إلى السّعَادَةِ
يسعى الإنسان طوال حياته إلى الوصول إلى السعادة الحقيقيّة، بينما هناك اعتقاد سائد بين الناس بأنّ الحظّ من الأمور التي تجلب السعادة، فيما يرى البعض الآخر أنّ السعادة لا تتوقّف عند هذا الحدّ، وإنّما تعتمد على العمل ومواصلة الكفاح الدائم وتحقيق الأهداف، وأفضل ما يستطيع الإنسان تحقيقه لنفسه هو السعادة في الحياة، ليعيش سنوات عمره بابتهاج وحبّ وإيجابيّة، ویصنع ذكریات جميلة تبقى معه طوال عمره، فلا تُولد السعادة مع الإنسان مثلما يعتقد البعض، بل نحن مَن يسعى إلى تحقيقها عن طريق عدّة أمور، من أهمّها السير في طريق الله والتزام وصاياه لعباده، لذا يقال دوماً: السعيد مَن قدر على ما نوى، لذا علينا أن نكون مؤمنين بقدرتنا على التغيير وتحقيق ما نرمي إليه، وسعادتنا نحن مَن يصنعها، وقد تنوّعت طرق السعادة، فكلٌّ يجدها في طريق ما، ولأنّ رياض الزهراء(عليها السلام) هدفها المرأة بالدرجة الأولى، استطلعت آراء ثلّة من النساء ذوات الخبرة والاختصاص. الإيمان الإيمان من الدعائم لتحقيق السعادة: هذا ما تحدّثت عنه لرياض الزهراء(عليها السلام) الدكتورة تغريد حيدر/ اختصاصيّة نفسيّة ومدرّبة في مجال الإرشاد الأسريّ: يُعدّ الإيمان من الدعائم الرئيسيّة في تحقيق الصحّة النفسيّة للفرد، فهو يساعده على التصالح الدائم مع ذاته عن طريق مقاربة التحدّيات التي يمرّ بها بشكل أكثر إيجابيّة، فمن الجانب الروحانيّ يكون الإيمان بالله الركيزة الأساسيّة في تقبّله لاختبارات الحياة بصفتها سبيلاً إلى الارتقاء. ومن الجانب النفسيّ، يُعدّ الإيمان بالقدرات الذاتيّة دافعاً لمواجهته المصاعب وتحقيقه الإنجازات، ومن الجانب الاجتماعيّ، يُشكّل الإيمان بالقدرة على التغيير حافزاً للعمل على نهضة المجتمع، إذن يساعد الإيمان على استثمار الإنسان للطاقة الموجودة لديه عن طريق تصويب مفاهيمه بشكلٍ أكثر فعاليّة، ومن ثمّ يُصبح الإيمان الطريق الأمثل للوصول إلى السعادة. القناعة فيما كان للدكتورة سهام الشجيريّ/ أستاذة جامعيّة في جامعة بغداد كليّة الإعلام رأي في طريق السعادة، إذ عدّت القناعة إحدى طرقها وعبّرت عن ذلك قائلةً: القناعة مفتاح عظيم من مفاتيح السعادة، بل هي الركن الأقوى للحصول عليها، والقناعة هي الرضا بما قسم الله تعالى لعبده من الرزق، وكثير من الناس في هذا الزمن إلّا مَن رحم الله حُرِموا القناعة، فأصابهم من التعاسة والشقاء ما أصابهم، وانتشرت الأمراض النفسيّة التي لم تكن معروفة من قبل في العراق، وعدم القناعة بما قسم الله يجرّ إلى محظورات، منها الحسد والكذب، وأكل المال الحرام والغيبة والنميمة، وغيرها من الآفات، إذ إنّ من حسن إسلام المرء قناعته بما قسم الله له، فالقناعة ركن ركين للفلاح في كلّ وقت، ومن المعلوم أنّ النفس تطمح إلى أن تتبوّأ أرفع المقامات، لكن اطمئنان القلب وانشراح الصدر، وسرور الروح هو السعادة. منهج السُمَحاء ونصيب الكُرماء وكان للسيّدة فاطمة آزادي منش/ ماجستير في علم الكلام رأي في تحقيق السعادة، إذ قالت: تأتي السعادة كواحدة من أكثر المطالب التي يسعى الإنسان إلى تحقيقها؛ ويبذل ما بوسعه لإيجادها والاستشعار بها، وعيش الحياة مترافقة مع مفهوم السعادة طموح كلّ منّا، لكن هل استطاع الكثيرون أن يفهموها أولاً حتى يستطيعوا اكتسابها؟ وجعلها تخرج من إطار التخيّل إلى عالم المصداق والواقع؟ إنّ السعادة هدف وغاية؛ لكنّها في غالب الأحيان تكون موجودة في حياة السُمحاء الذين يسامحون الآخرين، فقبل الوصول إلى السعادة هذه الخصلة ترافقهم، وكذلك السعادة التي نسعى إليها، فهي موجودة لكنّنا غافلون عنها، فالسعادة ليست فقط مثلما يتخيّلها البعض عن الفرح الذي يغمر الوجود الإنسانيّ، بل هي موجودة بصور وأشكال مختلفة، منها الاطمئنان والسكينة والراحة النفسيّة والشعور بالخفّة وعدم الثقل، حيث إنّ الإنسان الذي يقوم بواجبه بوصفه عبداً لله وعنصراً فعّالاً في المجتمع، لا يستشعر الثقل الذي يستشعره المذنبون والحاقدون والكارهون والخبيثون. نحن الذين باستطاعتنا إخراج المفاهيم من أُطر التوهّم والخيال إلى ميدان الرؤية الحقيقيّة الواقعيّة عن طريق البحث عن أدوات السعادة ومسالكها، وسيرنا في طريق الحياة لبناء صرح السعادة لا يتحقّق إلّا بتطبيق أخلاقيّات وسلوكيّات تضمن خَلق مفهوم السعادة في حياتنا ومنها التسامح، إذ نحتاجه في علاقتنا بدايةً مع أنفسنا، فعلى الإنسان أن يسامح نفسه ويتوب عن أخطائه وزلّاته، ويسير نحو طلب الكمال والتنمية الشخصيّة. ثمّ مسامحة الآخرين، وشدّ أواصر المحبّة والمودّة مع المحيطين ليكونوا نِعم السند له في دربه نحو طلب السعادة، والتسامح في حدّ ذاته يولّد تلك الطمأنينة والسكينة والراحة النفسيّة التي تكون أولى خطوات نحو بناء سعادة نفسيّة؛ لتكون منطلقاً لتحقيق السعادة في المجالات الأخرى. إدارة الرغبات أمّا السيّدة زينب الأسديّ/ بكالوريوس كلية الشريعة، فقد تحدّثت عن أهميّة إدارة الرغبات في تحقيق السعادة مبيّنة: تتحكّم في إدارة الإنسان مجموعة من الغرائز التكوينيّة التي غالباً ما تسيطر على حركاته وتنعكس مباشرة على نتاجاته الفكريّة والاجتماعيّة؛ لتزجّ به في دوّامة تؤدّي به إلى التسافل والانهزام، وقد تناول المولى أمير المؤمنين(عليه السلام) هذا المهمّ في مقولته المتلألئة في نهج البلاغة: "...مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اَللَّهِ، وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ"(1)، وقد ظلّ صداها صادحاً متجاوزاً تراكمات الزمان ليصل إلينا خالصاً نقيّاً، ينير لنا الدرب المعبّد للوصول إلى السعادة في كلّ التفاصيل الجزئيّة وصولاً إلى الكليّات، حيث إنّ الالتزام بخطّة هندسيّة مدروسة ومتقنة المعطيات توصل إلى النتائج المرجوّة، فالرغبات في الإنسان تتّسم بنزغ شيطانيّ يهيمن على منظومة الاختيار لديه، ممّا يسبّب له ابتعاداً تدريجيّاً عن المهمّات الرئيسيّة في حياته، وهنا تقع الطّامّة الكبرى التي يحتاج إلى اجتيازها تحفيزاً تربويّاً، تقدّمه المنظومة المتكاملة في الإرشاد النفسيّ الذي قدّمته لنا الشريعة الإسلاميّة بصيغة القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة الداعية إلى كبح جماح هذا النزق الأرعن في النفس البشريّة كقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)/(الشمس: 9-10). الرضا وكانت الخاتمة مع الستّ زينب آزادي منش/ طالبة جامعيّة، التي قالت: خلق الله تعالى الإنسان ومعه الرغبات والأهداف؛ فمن طبيعة الإنسان السعي إلى تحقيق الأهداف التي يطمح إليها بغية الشعور بالسعادة، لكن هذا الشعور لن يتملّكه إلّا باتّخاذ ما يحقّقه، ومن الأمور النفسيّة التي تساعد على خلق مفهوم السعادة ومعناها، هو الشعور بالرضا والقناعة؛ فالشخص الذي يقنع بما لديه، ويرضى بقضاء الله وقدره فهو يعلم أنّ ربّ العالمين قدّر له ذلك لمصلحة ما، والإيمان بالمصلحة في كلّ ما يكتبه الخالق لنا والرضا، يجلب لنا الشعور بالسعادة بأنّ الله تعالى لو لم ينظر إلينا برأفة ورحمة لكان الحال غير ما نحن عليه، ولكان أسوأ لا سمح الله. إذن علينا متابعة الإحساس بالرضا مع السعي إلى تحقيق الأفضل في سلوكيّاتنا وشخصيّتنا، ومحاولة النظر بدقّة إلى حياتنا عن طريق استشعار النِعَم المحيطة بنا وتقديرها، وفهم تدفّق الرحمة الإلهيّة من جانب ربّ الملكوت لنا، جعل الله تعالى الرضا طريقاً لكلّ من أراد نيل السعادة دنيا وآخرة. كلّ ما مرّ ذكره كان مجرد كلام يعبّر عن رأي أصحابه، وبكلّ تأكيد أنّ لكلّ شخص رأياً آخر في تحقيق السعادة؛ ولكن من الضروريّ أن نسعى نحو سعادتنا باتّزان وتدبّر وبرضا الله تعالى. ..................................... 1- بحار الأنوار: ج72، ص54.