"ومَن لَم يَقنعْ بِما يَكفيهِ لَمْ يُدرِكْ الغِنى أبداً"(1)
أمّ عليّ: لا ينبغي أن نستعجل في إبداء الحكم علينا أن نسمع منها، فقد تكون تعرضت لضغط نفسي، لقد ارتأت أمّ زهراء أن تأتي بأمّ رضا لنرى ما يمكن أن نفعله، علّنا نوفّق في إصلاح ما حدث. ها هما قد وصلتا. أمّ رضا: السلام عليكم. أمّ حسين: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ماذا يا أمّ رضا، هل من المعقول أن يبدر منكِ ما سمعنا؟ أمّ زهراء: عزيزتي أمّ رضا، أنتِ تحملين زوجكِ ما لا يطيق، إنّكِ امرأة ترى قريباتها وصديقاتها في وضع غير وضعكِ، فلابدّ أن تتحرك الغيرة عندكِ. أمّ علي: أرجوا أن يلهمكِ الله حُسن التصرّف وأن لا تتفاقم المسألة حفاظاً على أسرتكِ. أمّ حسين: أتعلمين أختي العزيزة أنّ ما بدر منكِ ليس من الإنصاف، ولا من حقّ الزوجية والعشرة. أمّ رضا: كلّ قريباتي يتمتّعنَ بحياة مرفّهة في ظلّ أزواجهنّ، ملابس من أرقى الأنواع، وأنواع الحُلي الثمينة. أمّ حسين: لكنّ زوجكِ يبذل كلّ جهده من أجلكم، دعيني أسألكِ وأرجو الردّ بصراحة. أمّ رضا: تفضّلي. أمّ حسين: هل كسب مالاً فبخل به عليكم؟ أمّ رضا: لا. أمّ حسين: هل صرف المال في المحرّمات؟ أمّ رضا: أبداً.. أستغفر الله. أمّ حسين: هل استأثر بماله لنفسه وحاجاته دونكم؟ أمّ رضا: أمانة الله لم يفعل ذلك أبداً. أمّ عليّ: انظري إلى ما عندكِ من نِعَم الله، أسرة، وسكن، لم تبيتوا ليلةً جياعاً، ولا لبستم ثياباً رثّة. أمّ حسين: السعادة تأتي من القناعة والرضا بما هو موجود. أمّ عليّ: لأنّها تُولّد الشعور بالأمان بأنّ الرزق بيد الجواد الكريم، فلا يحسد العبد أحداً، ولا يفكّر في اكتساب رزقه إلّا من طيّب حلال، فعن الإمام عليّ(عليه السلام) أنّه قال: "أعون شيء على صلاح النفس القناعة"(2). أمّ زهراء: مثلما أنّ من ثمرات القناعة عدم الحاجة إلى الطلب والسؤال، فيكون الإنسان أبياً عزيزاً، فالغنى يكون في النفس لا في المال، وجاء في حديث قدسي أنّ الله(سبحانه وتعالى) أوحى إلى نبيّه داود(عليه السلام): "وضعت الغنى في القناعة وهم يطلبونه في كثرة المال فلا يجدونه"(3). أمّ عليّ: ومن فضل الله علينا ورحمته بنا فقد جعل القناعة سبباً لتخفيف الحساب يوم القيامة، وقد رُوي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قوله: "اقنع بما أوتيتَه يخفّ عليك الحساب"(4). أمّ رضا: أنا لا أعترض على رزق الله، ولكن. أمّ حسين: ينبغي أن تجسّدي ذلك عملياً، لا بالكلام فقط. أمّ زهراء: أثبتي ذلك بحسن المعاملة وكلامكِ الطيّب وشكركِ على كلّ ما يقدّمه أبو رضا، حتى لو كان قليلاً. أمّ رضا: نعم سأفعل إن شاء الله..، لا أريد أن أكون ممّن جحد النعمة أو أساء الأدب، ذكّرتموني جزيتم خيراً. أمّ عليّ: ولأنّكِ مؤمنة ومنبتكِ طيّب فالذكرى تنفعكِ إن شاء الله. ...................................... 1- الكافي: ج1، ص22. 2- ميزان الحكمة: ج8، ص362. 3- ميزان الحكمة: ج7، ص370. 4- ميزان الحكمة: ج8، ص363.