قُرّةُ عَينِ سيّد الكَونَين

شهد صلاح
عدد المشاهدات : 250

لم تعمّ فرحة في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما عمّت يوم أشرق فيه نور السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) حين ولدتها أمّها خديجة، فاستقبلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشرق الوجه وهو يهنّئ السيدة خديجة (عليها السلام) بالمولودة الجديدة، ويقرّ عينها بطفلتها ذات الشأن العظيم فهي سيّدة نساء العالمين. عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله بن جعفر بن محمد (عليهما السلام): كيف كانت ولادة فاطمة (عليها السلام)؟ قال: “نعم، إن خديجة عليها رضوان الله لمّا تزوج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكة، فكنّ لا يدخلنَ عليها ولا يسلمنَ عليها ولا يتركنَ امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة من ذلك، فلمّا حملت بفاطمة (عليها السلام) صارت تحدّثها في بطنها وتصبّرها، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل يوماً وسمع خديجة تحدّث فاطمة، فقال لها: يا خديجة مَن يحدّثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني، فقال لها: هذا جبرائيل يبشّرني أنها أنثى، وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة، يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه، فلم تزل خديجة رضي الله عنها على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجّهت إلى نساء قريش ونساء بني هاشم يجئنَ ويلينَ منها ما تلي النساء من النساء، فأرسلنَ إليها عصيتينا ولم تقبلي قولنا، وتزوجتِ محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً، فاغتمت خديجة لذلك، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن، فقالت لها إحداهنّ: لا تحزني يا خديجة، فإنّا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك: أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفراء بنت شعيب، بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمينها، والأخرى عن يسارها، والثالثة من بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت خديجة فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهّرة، فلمّا سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبقَ في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسّلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشدّ بياضاً من اللبن، وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة، وقنعتها بالأخرى، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيّد الأنبياء، وأن بعلي سيّد الأوصياء، وأن ولدي سيّد الأسباط، ثم سلّمت عليهنَ، وسمّت كلّ واحدة منهنَ باسمها، وضحكنَ إليها وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام)، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك سُمّيت الزهراء (عليها السلام)، وقالت: خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها، فتناولتها خديجة (عليها السلام) فرحة مستبشرة...”.(1) فكانت النموذج الكامل ومثال المرأة كما أراد لها الله، فقد أخذت دور البنت والزوجة والأم، وبلغت درجات الكمال في العبادة والزهد والحياء والعفة والإخلاص في العمل، فأيّ سيّدة هي فاطمة، لتبلغ كلّ هذا السمو وأيّ امرأة هي فاطمة يكاد مَن يراها ببصره وبصيرتهِ بعينه وقلبه، يحسبها مثالاً منحوتاً من نور. ............................ (1) بحار الأنوار: ج16، ص80.