رياض الزهراء العدد 166 لحياة أفضل
النَّحْلَةُ والتَّعَاوُنُ
مع إشراقة كلّ صبح جميل تهبّ إلى العمل، تنتقل من زهرة إلى أخرى لتصنع العسل، شعارها التعاون ودِثارها الأمل، إنّها النحلة، مخلوقة مباركة تحدّث عنها الكتاب العزيز، وضُرِب لنا في الروايات بها المثل. تُرى لِمَ لا نكون مثلها في عملها ونشاطها، ودقّتها وهمّتها، وجميل صنعها وعظيم أثرها؟! كوني كالنحلة سلسلة مقالات هادفة، تأخذكم في جولة رائعة إلى عالم النحل العجيب، وتدعوكم إلى العمل الدؤوب. يذكر علماء الأحياء أنّ النحلة العاملة حينما تخرج للبحث عن الرحيق فإنّها تطير بسرعة معيّنة تساعدها في اكتشاف مصادر الغذاء المناسب لها، وعندما تعثر عليه، تتناول منه ما تستطيع، ومن ثمّ تنثر حوله رائحتها الخاصّة التي هي جزء من رائحة الخليّة، ثم تعود محمّلة بالغذاء إلى خليّتها؛ كي تخبر بقيّة أخواتها عن طريق حركات خاصّة بما وجدته، وترشدهنّ إلى موقع المصدر الغذائيّ، فتنطلق النحلات مباشرة نحوه من دون أن يتكلّفنَ عناء البحث، ويتمّ الاستدلال عليه عن طريق الرائحة الخاصّة بالخليّة! ويذكر العلماء أيضاً أنّ النحلة العاملة إذا أنجزت جميع وظائفها، وأنهت عملها وكلّ مسؤوليّاتها، فهي لا تستريح، بل تذهب بكلّ رغبة لتساعد بقيّة أخواتها في أعمالهنّ، فحياة النحل بُنيت على التكاتف والتعاون، والخليّة التي تعجّ بالنحل، تضجّ بالتعاون والعمل. وهذا ما ينبغي أن نتعلّمه اليوم من عالم النحل المذهل فنقول: نعم للتكاتف والتعاون. ولا يخفى على المتتبّع أنّ ديننا العظيم يدعونا إلى التعاون والتكاتف، ويبيّن لنا أنّ السبيل إلى نجاح أيّ عمل مرهون بالتعاون، والعمل الجماعيّ الهادف، والابتعاد عن التفرّق والاختلاف المقيت، يقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)/(المائدة: 2). فالتعاون هو أرضيّة الحضارة، وعنوان التقدّم والازدهار، والسبيل إلى الرقيّ والتميّز، مثلما أنّ فيه تربية للنفس، فالفرد حينما يعمل لوحده قد تنازعه نفسه للتقصير والإهمال، وقد يُصيبه الغرور والعُجب بما جرى على يديه من أعمال، إلّا أنّ وجوده داخل مجموعة صالحة واعية ينجيه من هلكة الاغترار المردية، إذ سيرى حينها النجاح للجميع، فلا يعبث بروحه الشيطان الرجيم، ولا يسلبه ما أعدّ الله تعالى له من النعيم المقيم، بزلّة في قول أو فعل أثيم. وكذلك من ثمرات التعاون تبادل الخبرات، وتطوّر المهارات، فالطيف الجميل الذي يتواجد فيه المرء عند التعاون يعجّ بالتجارب والرؤى والأفكار التي عندما تتلاقح تنتج كمّاً هائلاً من النضج والإبداع الذي سيحقّق تقدّماً ملحوظاً للمجموع. مثلما أنّ تواجد المرء بين مجموعة صالحة يجمعها هدف مبارك تحقّق استمرار العمل ودوامه؛ لأنّه لم يرتبط بفرد واحد وإنّما بخليّة عمل متكاملة، ترمّم النقص الحاصل فيها نتيجةَ انسحاب أحد أفرادها، أو تلكّؤ أدائه في عمله نتيجةَ ظرف خاصّ قد يمرّ به، فحال المجموعة كحال الشجرة المثمرة التي ما إن تقع إحدى أوراقها حتى تنبت أخرى في مكانها لتبقى نضرة مخضرّة زاهية. فما أجمل أن تجتمع أيدينا، وتتوحّد مساعينا، ابتداءً من تجمّعاتنا الصغيرة في بيوتنا ومحالّ عملنا، وانتهاءً بأكبر مؤسّساتنا، حينها ستكون هذه الأعمال الجماعيّة المباركة نواة حضارة رائدة، نصنعها بالتزامنا ووعينا، وحبّنا وتكاتفنا وتعاوننا، وهمّتنا وفكرنا وحسن إدارتنا لمجموعاتنا، حتى ظهور إمام زماننا(عجل الله تعالى فرجه الشريف) فدته نفوسنا.