رياض الزهراء العدد 166 الحشد المقدس
أُقحُوانُ السَّواتِرِ
فوّاح في الحدائق الخلّابة، يأسر الناظر بسحرِ بياضه.. فكيف أصبحَ أقحواننا برائحة البارود؟!.. ومِنْ أين أكتسبَ لونه الرماديّ..؟! والعجب بأنّ عَبَقه الذي يُزعج العاشقين قَدْ أصبح زينة للمعشوقين! نعم أولئك الذين عشقتهم السواتر، وتشابكت رمالها بتفاصيلهم اليافعة.. يُزرعون ببنية الورود وببذورها، فكيف ينمون بهيئة نخيل شامخة على الضفاف..؟! هم مُختلفون كثيراً.. فتمتمة حديثهم ليست بألسنتهم، وإنّما بدروعهم..، ولو علمتَ ما دروعهم لانبهرت كانبهاري الذي تسلّل إلى قلمي الذي بكى حبره لعظمة مكانتهم، كانت دروعهم أقوى مِن الحجر الصوّان، ولهم من القلوب ما يختلف عن قلوب غيرهم من الأقران، فقلوبهم قادرة على ضخّ الدم بأوعية الجسد وفي أروقة الوطن...! نعم، الوطن الذي غزاه كُلّ طامع وحاسد للنِعَم، وَحدهم هم الذين حرّروه من دون أن يضعوا أعينهم في عينيه، فمن مبدأ العفاف كانوا يغضّون النظر عَنْ التمعّن في عينيه، لكون بناته هي البصرة وبغداد، فنظروا بنظرات مُقدّسة الطرف.. ذات يوم تحاور صديقان على حاجز الغيارى والمُتعارف عليه بـ (الساتر).. كان حواراً في ليالي شتائيّة، فكان لأحدهم رأيه بأن يُشعل بعض الحطب ليُدفئ المكان، ونظر الآخر إلى الأمام قائلًا: لِمَ لا نتقدّم نحو العدوّ فنشعر بحرارة الشوق إلى أمان الوطن فنتدفّأ،!! أيّ عظمة، أيّ فكر، أيّ قلوب يملكون..؟! الجميع راهنَ على الشتات، دُول عُظمى عزفت على قيثارة الخراب ألحان النهاية؛ ليخسفوا بأخوتنا أرضًا.. ولكن ما أن سقطت موصل الربيعين.. وقبل أن تدُكّ هامتها الأرض توسّد الحُماة عرش العراق ليُعيدوها أميرةً...عرش العراق هو الساتر وحماته.. في العراق فقط رأينا للإناث تقديسًا عظيماً، فخوض الحروب ليس إلزاميّاً، بل حُبًّا وإيمانًا، فعندما ترى البصرة مع ذي قار بظهر ميسان وتتقدّمهم سماوة العشرين؛ لتسند عزمها رُميثتها، عندها تُدرك بأنّ في العراق خنساوات وليس خنساء واحدة.. يضعنَ على أكتافهنّ نهري العراق ذي العظمة الخالدة.. فكتب الحماة رسائل بمداد قلوبهم إلى كلّ حاسد وطامع في أرض بلادنا.. وإن وُلِدوا أقحوانًا لكنّهم بعزمِ النخيل..!