رياض الزهراء العدد 166 منكم وإليكم
مَوعِدٌ مَعَ الآخِرَةِ
خلف القضبان سجدة طويلة، ودعاء يشقّ الظلام رغم ما به من تضييق السجّان: "اللّهم إنّكَ تعلم أنّني كنتُ أسألكَ أن تُفرّغني لعبادتكَ، اللهُمَ وقد فعلتَ فلكَ الحمدُ"(1)، وأيّ فراغ هذا؟ انحنى فيه القيام، وأفطر الصائم فيه بلا طعام، وأيّ صبر هذا وقد حجبت الأبواب عنه ضياء الشمس، فأصبح يومه معتماً كالليل، ولولا كظم الغيظ ما رُضّ ساق الإمام(عليه السلام) ولا قضى في سجن هارون أعواماً، حتى باتت قلوب المحبّين تحترق شوقاً إلى لقائه، وتعدّ الأيام إلى رؤياه، إلى أن طرق أبوابها عليّ بن سُويد يحمل البشارة من بعد يأسها من معرفة أخباره، ولكن عندما سألوه عن حال ابن جعفر(عليه السلام) دمعت عيناه وفي جوابه تحيّر، عمّاذا يحكي؟ عن طامورة السنديّ المخيفة وما فيها من عذاب؟ أم عن قيد مزّق الثياب؟ وأشدّها ألماً جراح المعصم من ثقل الحديد، وكلّ ذلك بأمر العباسيّ هارون الذي تقيّد لقوله: (السلامُ عليكَ يا أبه) قاصداً جدّه محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى أن رأيتُه وسألتُه متى الفرج؟ فقال: يوم الجمعة ضحىً على جسر بغداد، فحصل المراد مع آخر الدعوات: "يا مخلّص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلّص الروح من بين الأحشاء والأمعاء، خلّصني من يدي هارون"(2)، ولم يطل الأمر بعد هذا الدعاء حتى سُقي سمّاً قطّع الأحشاء، ولكي يُغطّي هارون على جريمته، أصدر فقهاء القصر وأطباؤه شهادتهم بأنّ موسى بن جعفر(عليه السلام) مات لمرض، وليس لموته أيّ سبب آخر، وكان ذلك يوم الجمعة في الخامس والعشرين من شهر رجب عام 183هـ، حيث تبدّلت به فرحة اللقاء إلى ألم وبكاء، لمّا نادى المنادي على الجنازة المقيّدة: هذا موسى(عليه السلام) إمام الرافضة، علم حينها ابن سُويد أنّه كان موعداً مع الآخرة. ....................................... (1) بحار الأنوار: ج 83، ص 364. (2) بحار الأنوار: ج92، ص211.