كَهفُ الرِّسَالَةِ

نرجس مهدي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 229

فَارسٌ قَرشيّ، سَامِق الهمّة، قويّ في بَدنه، يَرشحُ النور من جَبينه، واضِح الخُطى، كَريم الخِصال، نَقي السَجايا، عَطر المَنطق، يَتَّقِد كَصالية الجمر لِلحقّ، لِسانه لهُ طَعم الشْهدِ في النُطق، بَطل هُمام ، مُقدم مِقدام، جَميل الصفات والمَلامح، مُقَرّب من أبيه شَيبة الحَمد عبد المطلب، مُوحِّدٌ على دِين جَدّه الخَليل، لَيسَ له في قُريش مَثيل، فؤاده الذي يَخفق في صَدره هو من يَروي لَكم سيرته. عَبد مناف أبو طالب قويّ البنية والمطالب، غالب كلّ غالب، تَكفّلَ بابن أخيه مُحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)..يُغذِّيه دِفئًا، يَحنو عَليه عَطفاً، لِحبِّه ومُروءته أوصَاه والدهُ قَبلَ أن تَغفو عَيناه: لا تُفارق ابن أخيكَ واجعَلهُ في كَفالتِكَ، وَذاكَ كانَ مُناه.. احتضنه في دَاره كأحسنِ وُلده، قرّبه إلى نفسه وَأدناه، وببنيه فدّاه، يَتراءى أمامه جَلالُ هَيبتِه وعَلائِم نُبوّتِه، بيت أبي طالب يَتجلّى بالأنوار، وَعينُ اللهِ تَعالى تَرعاه لَيلَ نَهار. يَركب ظهر الفلاة يُناجِز به شُهبَ السماء، مُشمّرًا عن سَاعديه لِنصرة الأمين، مُغرَماً بابن أخيه، يُفديه بِروحه ومهجته، يقدّم نفسهُ كبشًا وفِداءً، لانَ له عريكةً وصار له حصناً حصيناً. يَلومونه على حُبِّ حَبيب الرحمن، وَكيفَ فؤاده هَواه؟!، بل اسألوه كَيف فؤاده لَمَّ جَمالهُ واحتَواه ؟؟!! فَرويتَ غَليل سـُؤالهِم، ومرغتَ أنوف أحقادِهم. مكَدوداً في ذَاتِ الله(سبحانه وتعالى)، لَكنّ ضَغائنهم قَادِحة، وألسِنتهم بِالباطل جَارحة.. أيَقولون إنّكَ في ضَحضَاح من نار؟؟!!!! حَاشاكَ سيّدي، بل في روضات الجَنّات تَرتع، وبِكلّ أذان للصلاة بِدرَجاتٍ الفردوسِ تُرفع، بكَ وبِفتاكَ كلَّ الدُنيا تَتَشفّع.. أهكذا الحقائق تَغيّرتْ؟، والدُنيا لفضلهِ تَنكّرتْ؟! عَجباً لِجهلِهم!! ألأنّكَ والدُ الأمير؟! نعم ؛ إنّه سواد لُجّةِ الحقد الدَفين، لقد خيّبتَ آمال الجُهّال والمتآمرين، يا جُنّة الإسلام والمسلمين نَاديتَهُ حَبيبي يا محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) اصدَعْ بِما تُؤمرْ، أوضِح مَنهجكَ وعلى بركة الله سِرْ.. قَوّم الأود، وارشدهم إلى مِفتاح السداد، تَقوى وذَخيرة المعاد. مَا خالطَ الكَرى أبداً جَفنيه، وَلا اكتَحلت بالراحَة مُقلتاه، فَو الله ما أسْلَمهُ يَوماً ولا ابتَعدَ عَنهُ شِبراً.. مُحامياً عنه إلى آخر أنفاسِه.. وآخر نبض في عرقه.. وفَيتَ النَذر، صُنتَ الأمانة ونِلتَ الأجر، وها أنا فؤادكَ لا أزال أنبض بِحُبِّ حَبيبكَ على الرغم من التراب والقبر.. إيهٍ يا أبا طالب: رَحلتَ والدِين لم يَشتدّ عُودهُ بعدُ، وحَبيبُ الله فَقدَ ناصره.. غَادرتَه على مَضض، عَيناكَ إلى آخر اللحظاتِ تُراقِبهُ، وتَدمع لِفراقه، فَكانَ عَام الحُزنِ بِفَقدكَ، وَلكن يَا كَهفَ الرِسَالة أدّيتَ الكَفَالة..