قَبلَ اِتّخاذِ القَرارِ
حينما تمتطي أحلامنا فرس الأماني معانقةً ذاك الفارس المُقبل من السماء في سحابة بيضاء؛ ليحقّق أحلامنا، فقد نغفل عن كيفيّة الهبوط التي قد تسقطنا أرضًا في مستنقع الواقعيّة ممرّغين أنوفنا بالتراب، وقد تدركنا أيدي الرحمة مفترشة لنا الودّ بساطًا ووسادًا. ولو تأنّينا وأعددنا مقدّمات النجاح لتجلّت أمامنا النتائج شاخصة، وتجنّبنا المصير المجهول، وليس هذا ضربًا من التنجيم وادّعاء لعلم الغيب، بل إنّها رؤية صائبة تعبّد لنا الطريق، وترسم معالم صورة الشراكة في الحياة لنطأ موطئًا صلبًا ثابتًا بكلّ ثقة واطمئنان، عبر توفير مقوّمات النجاح. صحيح أنّ نصيب المقدرات هو حصّة الأسد، ولكنّها لا تتعارض مع الاختيار، فقد أبى الله(سبحانه وتعالى) أن تجري الأمور إلّا بأسبابها، واختيار الزوج المناسب هو من أهمّ الأسباب في نجاح العلاقات الزوجيّة. فالتوافق الدينيّ والفكريّ والعاطفيّ هي دعامات تثبت بها الأسرة بناءها، فمثلًا الزوج الذي لا يرى قيمة للتديّن سيشرك غيره معه في زوجته، بعرضها متبرّجة على الناس إن كانت توافقه، أمّا إن كانت تخالفه وهو لا يقبل، فإنّ بؤرة الخلاف ستتّسع حتى يصعب ردمها.. أمّا الفكر فإنّه قد يحدّد المصير، فمثلما يقول الفيلسوف الصينيّ (لاوتسو): "راقبْ أفكاركَ لأنّها ستصبح كلمات، راقبْ كلماتكَ لأنّها ستصبح أفعالاً، راقبْ أفعالكَ لأنّها ستتحوّل إلى عادات، راقب عاداتكَ لأنّها ستكون شخصيّتكَ، راقبْ شخصيتّكَ لأنّها ستحدّد مصيركَ" بل إنّ فكر الزوج قد يحدّد مصير الزوجة، فإن كانت أفكاره ناضجة فسيرتقي وترتقي معه، وإن كانت أفكاره رجعيّة غير عقلائيّة قائمة على العيب لا الشرع، فإنّه سيكون حَجَر عثرة في طريق مستقبل الزوجة. وأمّا الجانب العاطفيّ فهو كالماء يروي رياحين الأرض، فيجعلها خضراء متورّدة، وبجفافه تذبل وتموت. ثلاثيّ مهمّ يتقدّم كلّ التوافقات الاجتماعيّة أو الماديّة أو الجماليّة وغيرها، وقد يتّفق الشريكان ويختلفان في ذلك، وقد يصعب الاختيار في بضع دقائق معدودات خلال المقابلة(1) التي يتخفّى فيها الطرفان تحت ستار الكمال والتجمّل، ويبقى التريّث هو سيّد المواقف؛ ففيه يتمّ السؤال ودراسة الأحوال قبل اتّخاذ القرار، فليس الزواج بتجربة نخوضها لنكتشف ثمّ نعود، فقد يصعب الرجوع، وخصوصاً مع وجود الأطفال. ............................................. (1) سلوك معهود في بعض الدول العربيّة والإسلاميّة يجلس فيه المتقدّم للزواج مع زوجة المستقبل للتعارف قبل اتّخاذ القرار بالموافقة أو عدمها.