رياض الزهراء العدد 166 أروقة جامعية
مِمَّ نَخافُ..؟
لو طُرح علينا هذا السؤال، مِمَّ نخاف؟ فلو قرّرنا الابتعاد عن كلّ الإجابات العشوائيّة التي نلجأ إليها غالبًا، لا نعلم إن كُنّا نعنيها فعلًا أم أنّنا نستخدمها فقط للتخلّص من عناء التفكير بأشياء أخرى، أو ربّما لمجاراة إجابات الآخرين وحسب. ردود الفعل المُعتادة والمملّة التي نُصادفُها عادةً هي: الخوف من الحشرات، المرتفعات، الظلام، الظلّ، أو من الأصوات الصاخبة و الغريبة، مهلًا هذا ليس خوفاً فعلياً. لِمَ لا نحاول أن نكون صادقين هذه المرّة على الأقلّ..؟ على مَن نكذب نحن؟ ولِمَ لا نواجه مخاوفنا الفعليّة، تلك القابعة في ركنٍ ركين من أعماقنا، لِمَ لا نسبر أغوارنا بأنفُسنا؛ لنتعرّف علينا بشكلٍ أفضل؟ ونتصالح مع ذواتنا بطريقة مسالمة، بعيدًا عن العنف والتعذيب، هكذا ببساطة نتعرّف علينا بشكلٍ جيد لنحظى برفقة طيّبة معنا، فنحنُ نجهلُ تمامًا ماذا بإمكاننا أن نُقدّم لو تحدّينا هذا الخوف، لو قرّرنا أن نخوض معركةً حاسمةً معه، معركة إمّا أن نفوزَ بها، أو نفوز بها، لا خيار أوسط بينهما. ضُعفاء نحنُ جدًا لو أردنا أن نكون كذلك، لو أطلقنا لأنفسنا العنان لتتمادى في هوانِها، لو أبقينا عليها لينةً قابلة للتمدّد بفعل الحرارة ولم نختبر عليها بقيّة درجات الحياة الأخرى، فلا شيء أسهل علينا من جعل الألم يتفاقم، والأمل يتلاشى بحدثٍ سيّءٍ واحد نستجلب إلى ذاكرتنا كلّ الأحداث والأيام البائسة التي مررنا بها، هكذا بضغطة زرٍّ واحدة تعود كلّ تلك الذكريات لتجتاح الروح، ولتجعل من كميّة الاختناقات والدموع الهاطلة أكبر وأشدّ إيلامًا، وندّعي دومًا أَن لا ذنب لنا بأيٍّ من ذلك، حسنًا قد نكون مُحقّين للوهلة الأولى، لكنّنا لسنا كذلك بالنسبة الأكبر، إنّنا نجهل فعلاً ماهيّة أجسادنا وأرواحنا وعقولنا، لا نعرف الكميّة الهائلة من التحمّل التي نقدِرُ على تقديمها حين نقرأ: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)/(البقرة:286)، فإنّنا لا نعلم ما هو(وُسْعَهَا) فعليًا، فالرحمن وحده يعلم، وربّما إن حاولنا تخيّل الأمر فإنّنا لن نصل بخيالنا إلى أيّ جوابٍ مُقاربٍ للحقيقة، أمور كهذه تكونُ غالبًا خارج مقدرة العقل البشريّ لكن الحقيقة إنّ سِعة تحمّل كلّ نفس كبيرةٌ جدًا، أكبر من رغبتنا بأن تنتهي هذه الحياة أمام أول مشكلةٍ نواجهها، إنّكَ لن تعلم مدى قدرتكَ على تحمّل الجوع إلّا إذا اضطُررت إليه، كأن يُمنع عنكَ الطعام عمدًا لأكثر من ثلاثة أيام ولا تزال على قيد الحياة في اليوم الرابع، بينما طرأ على بالكَ في اليوم الأول بأنّك هالكٌ لا محالة، وسيقضى عليكَ في غضون ساعات..! هكذا تسير الأمور، لأنّكَ لا تعرف مقدار قُدرتكَ على الصبر والتحمّل في خضّم تجربة عيشكَ في هذا العالم، إلّا حينما تمرُّ بأوقات عصيبة تجعلكَ تتفاجأ من نفسكَ بعد مرورها كيف أنّكَ تحمّلتها، وهل حقّاً إنّكَ فعلتَ ذلك؟ لا تستهن بأيٍّ من قُدُراتكَ، لا تستهن بقوة الإنسان الذي أنتَ عليه، لا تتهاون بثقتكَ بخالق الروح التي في جوفكَ، لا تظنّ به إلّا خيرًا، فهو حين يعدُ بشيء فلا مَردّ لوعده، تحتاج فقط أن تُحسن الظنّ والثقة، وأن تهمس لله(سبحانه وتعالى) من أنّكَ تُحبّه وتُصدّق وعده حين قال(سبحانه وتعالى) على لسان نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "أنا عند ظنّ عبدي بي"(1). ..................................... (1) جامع الأخبار: ج24، ص10.