جَوهَرةُ الصَّبرِ

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 207

شبح من الحزن غطّى ملامح القبّة الذهبيّة وأتى عليها الخريف على عجل بغير ميعاد لتتساقط الحروف وتهوي مشتّتة بالفراق، تهدهد ذكريات الحنين وخفقان الروح بالأشواق والأكثر إيلاماً أن ترى على الضريح تقاطر دموع المعصومين(عليهم السلام) وقلوب المحبّين تمسح تلك الدموع المقدّسة ببلسم العزاء وقد امتلأت رئتا سامراء بشهيق الفقد القاسي وضمير الغائب عن الروح يبحث عن كلمات تُثلج الصدر المفجوع لكن انطفأت فينا شموع الأحلام، وتسربل القمر بالسواد، وأدركنا الخبر اليقين حينما نطق النجم قد غابت الشمس فارتعدت جدران المقام المقدّس المصدوم على أنين الذاكرة فقد رحل جبل الصبر فاعتلت مآذن سامراء تترنّم بتراتيل الحزن، تئنّ ظمأً لشربة رويّة من يد السيّدة زينب(عليها السلام) تلك المآذن كانت ولا تزال تبكي مع بكاء العسكريّين(عليهما السلام)، عمراً صارعت فيه غربةً عاشتها بعيداً عن عقيلة الطالبيّين(عليها السلام) عمراً كانت جدران الضريح تأمل فيه أن ترتشف من شهد ثغرها، وعطر أنفاسها العلويّة الحسينيّة ليعتلي الصرح المقدّس اعتلاء المجد بنجم بريق عينيها، فتلامس القباب كلّ مشارق العصمة فهي حبيبةٌ من أحبّاء الله، عالمة غير معلّمة، ابنة أمير المؤمنين(عليه السلام) وأخت الحسن والحسين(عليهما السلام) وعلى الرغم من أنّ سنوات غربة عمّة الأطهار الغريبة البليغة كانت سقيمة.. وحكاية اغترابها كانت مدلهمّة بالآهات لكنّ بطلة كربلاء من وراء قمع الأيام ورغم جراح سموم دخان الخيام غدت للعالمين آية متوهّجة تزخر بقناديل العِبَر والشجاعة صرخت مدوّية ضدّ الظلم فزلزلَ صداها جدار الزمان واليَومَ أرى في سامراء رغم حزنها الدفين أنفاساً زينبيّة أعادتنا إلى لقاءات الوداع الحزين، أعادتنا إلى هوىً مات كلّ شيء جميل بعده، لكنّه ظلّ حياً لم يمت زينب... حاضرة هي في كلّ تفاصيل سامراء فقد ترى في سامراء هيبة من هيبة الصدّيقة الصغرى تمدّ السواقي بألوان الطيف التي تعاند السقوط، وتواصل تمسّكها بالحبل المتين ورغم أنّ سامراء أمست كعبة الأحزان، لكنّها كتلك المجاهدة تدوس بقدميها زيف الظلم، وتزعزع الهِمَم بقلب جحر الظالمين ثائرة كبركان غضب يحترق لتعلن بالكلمة انتصارها، ترى سامراء محتسبة كعقيلة الطالبيّين، انطفأ وهج عمرها وتيبّست فيها عروق الحنين وهي تنتظر في محطّات الغياب لحظةً خبّأها ربّنا العظيم لأمر عظيم، تنتظر الفرح الذي سيأتي يوماً ليواسي المحزونين تنتظر استجابة الدعوات، وظهور المضطرّ، وأخذ ثأر الإمام الحسين الشهيد(عليه السلام).