لِمَاذَا الخَوفُ مِنَ الظُّهورِ؟
رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "ولو قد قامَ قائمُنا لأنزلت السماءُ قطرَها، ولأخرجت الأرضُ نباتَها، ولذهبت الشحناءُ من قلوبِ العباد، واصطلحت السباعُ والبهائم، حتّى تمشي المرأةُ بينَ العراق إلى الشام، لا تضعُ قدميها إلّا على النبات، وعلى رأسِها زنبيلها لا يهيجُها سبعٌ ولا تخافه"(1). جنّة الله تعالى على الأرضِ إذن، ولِمَ لا، وقد اكتست الغبراءُ بحُلّتِها الخضراء، وقد جلّلها الأمانُ حتّى تسلّل إلى قلوبِ النساء، وقد خلعت القلوبُ رداءَ الضغينةِ والشحناء. بل إنَّ ظهوره (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يُحقِّق الهدفَ من رسالاتِ السماء؛ لما فيهِ من إظهارِ دينِ الله تعالى ونشرِ العدلِ وذلك حلمُ الأنبياء، فهل يا تُرى هُناك مَن لا تتوق نفسُه إلى ذلك؟! نعم يوجد، حتّى من بعضِ الشيعة! وإنْ لم يُفصِحْ عن ذلك؛ بيدَ أنّه يعيشُ شعورَ الخوفِ في طيّاتِ ضميره وأعماقِ نفسه وربّما يعود ذلك إلى سببين؛ أولهما عدم الاستعداد للظهور، ويكمن الحلُّ في المبادرةِ إلى التوبة وأداء الواجبات والإقلاع عن المحرّمات، وثانيهما الصورة المُشوّهة عن إمامِ السلامِ والرحمةِ المُتمثّلة بأنّه قائدٌ دمويّ -والعياذ بالله-، أو قاتلٌ سفّاح، التي رسمتْها ريشةُ الجهلِ بالقضيّةِ المهدويّةِ وأهدافِها، والفهمِ السطحيّ لرواياتِ الظهورِ من دونِ الرجوعِ إلى أهلِ العلم والاختصاص تارةً، والنفوس اللئيمة لأهدافٍ خبيثةٍ تبتغيها تارةً أخرى. يُمكنُنا تحطيم تلك الصورة المشوّهة بالأدلّة القاطعة والبراهين الساطعة، وأهمّها: أولًا: جُبِل الإنسان على حُبِّ الشهوات، فما إنْ يُترك ونفسه حتّى يُفسِدَ في الأرض، لذا كان تشريع العقوبات من التشريعات الأساسيّة في الشرائع السماويّة والقوانين الوضعيّة، فإذا كانَ من البديهيّ أن يُقتصَّ من الخارجين عن القانون في دولةٍ هدفُها إقامة العدالة النسبيّة، فمن الطبيعيّ جدًا أنْ يكثُرَ القِصاصُ في دولةٍ هدفها إقامة العدالة التامّة في الأرض قاطبة التي لا تتمُّ إلّا باقتلاع براثن الجور المتجذّرة في كثيرٍ من المجتمعات. ثانيًا: تمتّع الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) بشخصيّةٍ حواريّةٍ منهجها الرحمة والرأفة، ويتجلّى ذلك في: 1. تقديم مُحاججة أهل الديانات الأخرى بالأدلّة على خوض الحروب(2). 2. على الرغمِ من إشهار السفيانيّ السيفَ في وجه الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وقيامه بالأعمال الفظيعة، إلّا أنّه (عليه السلام) يبدؤه بالحوار، فيُبايع السفيانيُّ الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، فلا يقاتله الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) إلّا بعد أن ينقض البيعة ويُشهر السلاح في وجه الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ثانيةً (3). ثالثًا: اتّباعُ الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) منهج عدم المقاتلة إلَّا مَن يُقاتله ولا يزيد على ذلك، فقد رويَ عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تلاوته لجابر بن عبد الله الأنصاريّ ما ورد في اللوح الأخضر* أنّه قال: "يبايَعُ القائمُ بمكّةَ على كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولهِ، ويستعملُ على مكّة، ثمّ يسيرُ نحو المدينةِ فيبلغُه أنَّ عاملَه قُتِلَ، فيرجع إليهم فيقتل المُقاتِلة، ولا يزيدُ على ذلك"(4). رابعًا: الإمامُ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) رحمةٌ للعالمين، مثلما وصفته بعضُ الروايات، فقد روي عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: "وأختِمُ بالسعادةِ لابنِه عليٍّ وليّي وناصري والشاهد في خلقي وأميني على وحيي، أخرِجُ منه الداعيَ إلى سبيلي والخازنَ لعلمي الحسن، وأُكمِلُ ذلك بابنِه (م ح مّ د) رحمةً للعالمين"(5) وعليه، لا يكونُ الطابعُ العامُ لحركةِ الإمام (عليه السلام) إلّا الحوار والمحاججة والتسامُح وقبول التوبة؛ لأنّه داعيةُ سلامٍ وإصلاحٍ، وأمّا خوضُ الحروبِ والقتالِ فليستْ عشوائيّةً وغيرَ مُبرّرةٍ مثلما يتصوّر البعض، وإنَّما يضطرُّ إليها الإمامُ اضطرارًا، مثلما اضطرَّ إليها من قبلُ جدّاه النبيّ الأعظم (صل الله عليه وآله) ووصيّه الأكرم عليّ (عليه السلام)؛ لأنَّ آخر الدواء الكيّ. .................................... (1) الخصال: ص626. (2) علل الشرائع: ج1، ص161. (3) معجم أحاديث الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف): ج ٣، ص118. (4) بحار الأنوار: ج52، ص308. (5) الكافي: ج1، ص528. * اللوح الأخضر: هو لوح أهداه الله تعالى إلى رسوله (صل الله عليه وآله)، فأعطاه لفاطمة (عليها السلام) وكان جابر الأنصاريّ قرأه واستنسخه.