رياض الزهراء العدد 167 تنمية البشرية
ثُلَاثِيَّةُ النَّجَاةِ
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "يا معشر الشيعة إنّكم قد نُسبتم إلينا، كونوا لنا زَيْناً ولا تكونوا شَيْناً"(1)، إنّ المتأمّل في الكلمات البليغة السابقة سيجد أنّها رسالة غير مباشرة تحمل بين طيّاتها بحراً زاخراً من الأخلاقيّات والفضائل التي لا تقدّر بثمن، وهي بمثابة دعوة للتفكير، مفادها: ماذا نفعل لنتوشّح بوشاح الزَين البهيّ، ونتجنّب صفة الشين المعيبة لكلّ مَن تُطلق عليه؟ ولتقريب الفكرة أكثر فإنّنا عندما نقول لأحد الأبناء: أنا موافقة على ذهابكَ إلى التسوّق مثلاً لأنّني أثق بكَ، هنا جملة: (أنا أثقُ بكَ) تنضوي تحتها معانٍ كثيرة مثل: ثقتي بأنّه ملتزم، وخلوق، ولن يؤذي أحداً، ولن يعصي الله تعالى.. واستبعاد كلّ ما هو متعارف عليه في إطار العائلة من أمور مستهجنة في القائمة غير المرغوب بها، إذاً هي جملة قصيرة أثارت لدى الابن كلّ الأمور الجيّدة المطلوبة وأقصت الأمور السلبيّة المنهي عنها، وهذا من باب الرسائل غير المباشرة والمؤثّرة بصورة أفضل في أذهان الأبناء وسلوكيّاتهم. ولنسترجع كلمات الإمام الصادق(عليه السلام) ونتفكّر فيها قليلاً، وكيف يمكن أن تكون رسالة للوصول إلى ثلاثيّة النجاة، ونثر بذور الطمأنينة والراحة بين أرجاء المجتمع ككلّ، فقد ورد عنه (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ (عليه السلام) فيكون زَينها، آداهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث.."(2) يتّضح لدينا وجود ثلاثة أركان يتكوّن منها طوق النجاة لكلّ طالبٍ له، فكمْ نحتاج في مجتمعنا إلى إشاعة هذه الثلاثيّة، فمن صفات الإنسان المتديّن أن يُطابق قوله فعله، وممّا يثبّت دعائم الأمان النفسيّ هو أداء الأمانة والحفاظ عليها، ولا نقصد هنا فقط الأمانة التي تختصّ بالأموال، بل كلّ أنواع الأمانات من العلميّة الفكريّة و..؛ فإنّ مِن أصعب أنواع السرقات وأمرّها هي سرقة الأفكار الخاصّة التي يعاني الكاتب مثلاً ما يعانيه لابتكارها، ولو كان عنواناً لفكرة تدور بين ثنايا روحه وعقله فقط، وإذا به يجدها قد انتشرت كالنار في الهشيم وباسم شخص آخر، هنا يكون الشعور بعدم الأمان والإحباط المتلازم مع القلق من أيّ إبداع جديد، وفي خطّ متوازٍ مع الأمانة، لا بدّ من إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وتجنّب ما يرافق نقيضها من أذىً من جرّاء إشاعة الظلم بين الأفراد، مثلما أنّ الركن الثالث لا يقلّ أهميّة أبداً عمّا سبقه، فمِن أبرز معالم المجتمع المتكاتف المتعاون هو صدق النوايا والأحاديث، فالحروف هي سفيرة القلوب، وهي التي تترجم المكنون وتصيّره مادّة ملموسة ومحسوسة للمقابل، فالله(سبحانه وتعالى) خلق الإنسان في أحسن تقويم، وباختياره يستطيع أن يجمّل أخلاقه مثلما قال رسول الله (صل الله عليه وآله): "إنّكَ امرؤ قد أحسنَ الله خَلقكَ فأحسنْ خُلُقكَ"(3). تلك هي الأركان التي تشكّل ثلاثيّة النجاة التي ما إن يتمّ التمسّك والعمل بها كدستور واضح، ستنظّم كلّ مفاصل الحياة الصالحة، فيُصبح الفرد بمثابة المنارة التي يهتدي بإشعاع نورها كلّ مَن حوله. ............................................ (1) بحار الأنوار: ج85، ص119. (2) الكافي: ج2، ص854. (3) ميزان الحكمة: ج3، ص97.