(فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً)(1)

عبير كاظم المنظور/ البصرة
عدد المشاهدات : 226

التبسّم أدب نبويّ قرآنيّ في كلّ الشرائع والأديان لإشاعة روح الودّ والوئام في المجتمعات. والتبسّم: هو أوّل الضحك، ثمّ الضحك الاعتياديّ وآخره بدو النواجذ وهي القهقهة. ورد التبسّم جليّاً في قصّة النبيّ سليمان (عليه السلام) مع النملة: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل:١٨-١٩). لاحظوا دقّة التعبير القرآنيّ، وتصوير حالة النبيّ سليمان (عليه السلام): (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً)، وقيل (أكثر ضحك الأنبياء التبسّم، وقوله (ضاحكاً) أي: متبسّماً، قيل: كان أوّله التبسّم وآخره الضحك)(2) أمّا لماذا تبسّم ضاحكاً من قول النملة؟ فعن الإمام الرضا (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) في قوله عزّ وجلّ: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا)، قال لمّا قالت النملة: يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده، حملت الريح صوت النملة إلى سليمان وهو مارّ في الهواء والريح قد حملته، فوقف وقال: عليّ بالنملة، فلمّا أُتِيَ بها قال سليمان: يا أيّتها النملة أما علمتِ أنّي نبيّ الله وأنّي لا أظلم أحداً؟ قالت النملة: بلى، قال سليمان: فلِمَ تحذّرينهم ظلمي وقلتِ يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم؟ قالت النملة: خشيتُ أن ينظروا إلى زينتكَ فيُفتتنوا بها، فيعبدون غير الله عزّ وجلّ، ثمّ قالت النملة: أنتَ أكبر أم أبوكَ داود؟ قال سليمان: بل أبي داود، قالت النملة: فلِمَ زيد في حروف اسمكَ حرف على حروف اسم أبيكَ داود (عليه السلام)؟ قال سليمان: ما لي بهذا علم، قالت النملة: لأنّ أباكَ داود (عليه السلام) داوى جرحه بودّ فسُمّي داود وأنتَ يا سليمان أرجو أن تلحقَ بأبيكَ، ثمّ قالت النملة: هل تدري لِمَ سُخّرت لكَ الريح من بين سائر المملكة؟ قال سليمان: ما لي بهذا علم، قالت النملة: يعني عز ّوجلّ بذلك لو سخّرتُ لكَ جميع المملكة كما سخّرتُ لكَ هذه الريح، لكان زوالها من بين يدكَ كزوال الريح، فحينئذٍ تبسّم ضاحكاً من قولها (3). وبلحاظ الرواية أعلاه وعامّة التفاسير نرى بوضوح أنّ تبسّم سليمان وضحكه هو من باب التواضع، وهو نبيّ وقائد لجيش عظيم مِن الأنس والجنّ والحيوانات، وسَواء كان تبسّم سليمان (عليه السلام) شكراً لله تعالى على نعمته عليه وعلى والديه وتسخير الريح له ليسمع صوت النملة، فهو تواضعٌ لله تعالى وشكرٌ لنعمه، أم كان إعجاباً بمنطق النملة وكلامها، أو أنّه تعلّم منها شيئاً فهو تواضع لخلق الله تعالى. وفي كلّ الأحوال لنا الأسوة في أدب النبوّة والقرآن الكريم، وإن تعلّمتِ شيئاً يسيراً ممّن هم أقلّ منكِ شأناً، فلا تستعلي عليهم لمكانة علميّة أو اجتماعيّة، بل لِني لهم فهو أدب التواضع للخالق والمخلوق وشكر للنعم وإشاعة للحبّ والألفة، ولا تنسي ما قاله النبيّ محمّد (صل الله عليه وآله): "تبسّمكَ في وجه أخيكَ صدقة..."(4) ...................................... (1) (النمل:١٩). (2) تفسير البغوي: ج٦، ص١٥٢. (3) تفسير الصافي: ج٤، ص٦٢. (4) ميزان الحكمة: ج2، ص١٥٩٧.