رياض الزهراء العدد 167 لحياة أفضل
سِرُّكَ أَسيرُكَ.. لَا تُطلِقْ سَرَاحَهُ
عادة ما تحثّنا المواقف المؤثّرة جدّاً على الرغبة بتذكّرها، ووصف المشاعر التي تولّدت منها، وأوقات تتجاوز الذاكرة التي تعيدها علينا مراراً وتكراراً إلى ذكرها لأشخاص نجد فيهم الثقة، ويشجّعنا شعور الراحة عند الحديث معهم، وكي نشاركهم إحساس ما مررنا به، ننفي قرار الكتمان الذي اتّخذناه، ويفلت اللسان بسرّنا. ربّما يربتون على أكتافنا ويواسوننا، ونسمع منهم كلاماً يُريحنا، ولكن ماذا لو انقلب هؤلاء المقرّبون إلى أعداء وسرّنا في دفاترهم؟ بالتأكيد سنتحمّل كلّ العواقب، فربّما الذي أودعناه سرّنا سيفضحنا أمام الجميع، أو أمام أشخاص معيّنين غايته أذيّتنا، أو يزيد في الكلام أو يغيّر، ويبقى الأمر معلّقاً بصحوة ضميره وإنسانيّته. لهذا يصفون السرّ بالحمل الثقيل، وليس هناك أثقل من المشاعر المكتومة التي تدفع الإنسان إلى أن يتكلّم عليها ويُخرجها من قلبه بغضّ النظر إن كانت سرّاً أم مشاكل مرّ بها الإنسان. والأسرار نوعان: الأول يمكن أن تشاركه مع شخص واحد لا ثالث لكما، وهو إمّا أن يكون: الأمّ، أم الأخت، أم الزوج، أم الأب، والثاني سرّ يبقى في طيّات ذاكرتنا لا نخرجه حتّى الممات، ومن الخطأ أن نقوله لأيّ كان. ويقول الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "سرّكَ أسيركَ فإن أفشيتَه صرتَ أسيره"(1)، وانطلاقاً من هذا القول ينصح الكثيرون بضبط اللسان؛ لأنّهم أصحاب خبرة وتجربة. ويعدّ ضبط اللسان من أهمّ أسس تربية الآباء لأبنائهم، وتعليمهم كيف يحفظون السرّ ويسيطرون على لسانهم منذ الصغر. وهنا يواجه الآباء ثلاث حالات للأبناء، فإمّا أنّ يلتزم الطفل بوصيّة الأهل وهذا يتعلّق بشخصيّته، وبأسلوب الإقناع لدى الأهل وإيضاح الفكرة له من جميع الجوانب، والشرح بالشكل الصحيح والتحذير من مغبّة ما سيقع فيه بدون مبالغة؛ كي يتعلّم ويفهم، وهناك مَن يسمع ويفهم ولكن لا يحبّ تطبيق ما يقوله الأهل، فإمّا أن يكون الخلل من الأهل لنقص المعلومة، أو كيفيّة إيصالها له وإقناعه بها، أو يكون هو من الأشخاص العنيدين المتمرّدين الذين يودّون اكتشاف كلّ شيء بأنفسهم أو لا يحبّون إطاعة التوجيهات. وفي المستقبل سيلاقي هذا الابن أمراً من أمرين، فإمّا أن يبقى ذا شخصيّة منفلته غير محترم مكشوفاً للجميع، أو يتعرّض يوماً ما إلى موقف صعب يلقّنه درساً وعِبرة فلا يُعيد الكرّة مرّة ثانية. ......................... (1) ميزان الحكمة: ج4، ص 285.