رياض الزهراء العدد 167 لحياة أفضل
صَغِيرَةُ الحَجمِ كَثِيرَةُ العَطَاءِ
مع إشراقة كلّ صبح جميل تهبّ إلى العمل، تنتقل من زهرة إلى أخرى لتصنع العسل، شِعارها التعاون ودِثارها الأمل، مخلوقة مباركة تحدّث عنها الكتاب العزيز، وضُرب المثل بها في الروايات، تُرى لِمَ لا نكون مثلها في عملها ونشاطها، ودقّتها وهمّتها، وجميل صُنعها وعظيم أثرها؟ كوني كالنحلة.. سلسلة مقالات هادفة، تأخذكم في جولة رائعة إلى عالم النحل العجيب، وتدعوكم إلى العمل الدؤوب. حينما نراجع ما كتبه علماء الأحياء عن أسرار عالم النحل المذهل، لا نملك إلّا أن نسبّح لله (عزّ وجل) على عظمة خلقه ودقّة صنعه، إذ يذكر العلماء أنّ النحلة التي لا يزيد وزنها على أجزاء من الغرام تجتاز الجبال والوديان، وتصارع الرياح والأمطار؛ كي تقدّم خدماتها للبيئة والإنسان، فهي تؤدّي عملها بمنتهى الهدوء والإتقان، فيظهر عطاؤها معلناً عن تفانيها وهمّتها العالية للعيان. فالنحلة تزور الأزهار على مدى ثلاثة أميال وأكثر، وعند عثورها على الرحيق تختبر حلاوته وتفحص تركيزه؛ لترى مدى ملاءمته لما يُطلب منها، وعند عودتها إلى خليّتها تكون قد اختزنت في ذاكرتها رائحة الأزهار التي مرّت بها، ولونها وشكلها وبُعدها وموقعها من الخليّة التي تحيا فيها! وهكذا تقوم هذه الحشرة الصغيرة بأرقى الأعمال التي يعجز عن القيام بها أكبر الحيوانات وأقواها كالفيل والأسد وغيرها، فسبحان الخالق المنّان، الذي جعل النحلة على صغرها مصدراً للعطاء خادمة للبيئة والإنسان. رسالتنا من عالم النحل اليوم: أيّها الإنسان كنْ كثير العطاء واصنع أثراً قبل الممات، وإيّاكَ والتعلّل بالظروف والصعوبات، فما عمركَ إلّا أيّام؛ لذا يُعاب عليكَ البقاء على حالكَ، لأنّ رأس مالكَ هو عمركَ، وما لم تُحسن التوظيف والاستثمار فيه، فستتبدّد ثروتكَ وينفد رصيدكَ، وتذهب إلى ربّكَ بدون أثر تخلّفه من بعدكَ. إنّ النحلة الصغيرة تطالبنا بلسان حالها أن نبتعد عن التسويف واختلاق التبريرات بأنّنا لم نبدع في الحياة لعدم امتلاكنا اسماً معروفاً أو أسرة عريقة أو شهادات وغيرها ممّا يظنّها البعض موانع العطاء والإبداع، والحقيقة هي أنّنا نتمكّن في كلّ الأحوال من صنع أسمائنا بأنفسنا، وتحدّي العقبات بهمّتنا وإرادتنا؛ لذا فحريّ بنا أن نبتعد عن التعلّل بالحظّ والظروف، فأغلب الذين وصلوا إلى قِمم النجاح لم يكن دربهم أخضر ولا حياتهم مثاليّة؛ فهيّا لنصنع واقعنا عن طريق استثمارنا لما وَهَبه الله تعالى لنا، والالتفات إلى أمور لها أبلغ الأثر في ارتقائنا، كانتخاب القدوة الحسنة التي تُلهمنا، وتثبّت على طريق السموّ أقدامنا، والاهتمام بقلوبنا وأرواحنا وتغذيتها بالعلم والمعرفة والحبّ الموجب لجلاء بصائرنا، مثلما لا بدّ من حُسن التخطيط ووضع الأهداف التي نترجم بعد ذلك على أساسها خطواتنا، مع التسلّح بالتفاؤل والإيجابيّة والمرونة عند مواجهة التحدّيات التي تعترض طريقنا، وأولاً وأخيراً علينا بالتوكّل على الله تعالى في كلّ حركاتنا وسكناتنا، فمنه نستمدّ عزمنا، وإيّاه نستعين على تحقيق أهدافنا..