أَندَرُ الجَوَاهِرِ

ليلى العانيّ/ بغداد
عدد المشاهدات : 124

الحياة زاخرة بأشكال متنوّعة من الجواهر ممّا هو فاخر ونادر، منها ما هو موجود في الطبيعة، ومنها ما يُصنع بقلّة ليكون للنخبة؛ لأنّ الصانعين يُدركون أنّ البشر لا يقدرون على الحصول على ما هو شائع ومنتشر وإن كان ذا جودة، بل لا يرونه إطلاقًا، فكم من نِعَم تُحيط بنا ولا نراها.. كالمشاعر، والأفكار، والعلاقات، والهواء، والمأكل، والحواسّ، وغيرها، كلّها نِعَم عظيمة لكن لا نذكر منها شيئاً. وفي يوم ما كانت الأخلاق السامية جزءًا من الأمور الطبيعيّة التي لا نشعر بها، فكانت من حولنا في كلّ مكان وفي كلّ موقف، تولد، وتعيش، وتموت مهذّباً، حتّى اختفت من دون تدرّج للأخلاق، وأصبح الخلوق المهذّب في عيون الناس هو صورة من صُور التصنّع والملل، وهو شخص لا يريد أحد أن يرافقه بل يشكّ في نواياه الجميع. نقابل الكثير من الناس في حياتنا من كلّ شكل ولون وبمختلف الأمزجة، وخلال كلّ هذه المحطّات البشريّة أصبح من الصعب رؤية ابتسامة حقيقيّة واحدة أو كلمة طيّبة صادقة، نشعر بأنّ الناس تخشى قول الكلمات العذبة لئلا يتّهمها أحد بشتّى الاتهامات، أولها المجاملة والتصنّع. سابقًا كنّا نستخدم كلمتي (شكرًا، وعفوًا) لكنّنا الآن نبخل بتلك الكلمات على الآخرين، متجاهلين حجم أثرها في المستمع وكيف بإمكانها تغيير يومه. لقد وصف الله تبارك وتعالى رسولنا الكريم (صل الله عليه وآله) بـ(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4)؛ فالأخلاق هي جزء أساسيّ في رسالة الإسلام، ويُقصد بها أخلاق الفعل والكلمة، أخلاقٌ مع الناس، وأخلاقٌ حين لا أحد من حولنا من الناس. ومن الأمور التي قد تكون سببًا في أنّ الأخلاق النبيلة لم تعد جزءًا من عالمنا، هي: - السخريّة من القِيم النبيلة في مواقع التواصل. - غياب القدوة من الأهل والأقرباء، فينشأ الطفل وهو لا يجد قدوة يجعلها المقياس للأخلاق والتعامل. - تصنّع السواد الأعظم بما ليس فيهم من أخلاق بدلاً من محاولة تحسين أنفسهم والتمتّع بتلك الأخلاق فعلاً. أمّا حلّ هذه المشكلة فهو لدى أطراف كثيرة، منها الأسرة، والمدرسة، والشارع، والإعلام، وإنّ نواة كلّ هذه المؤسّسات هو الإنسان، لذا لنبدأ بأنفسنا؛ ولنتصرّف التصرّف الصحيح، ولنقلْ الكلمة الصحيحة، ولنراعِ الآخرين بقصد حتّى يُصبح ذلك فينا سجيّة، ولن نعود بحاجة إلى الجهد والمشقّة، فإن صلحنا صلح مَن حولنا عن طريق التعلّم بالقدوة، وهم بدورهم سيُصلحون أشخاصًا آخرين، ويُسهمون في تكوين المؤسّسات المؤثّرة على اختلافها، ونكون حينها مسلمين حقيقيّين، يسلم الناس من أيدينا وألسنتنا.