الأخلَاقِيَّاتُ التِي جَسَّدَهَا الإمَامُ زَينُ الْعَابِدَيْنَ (عليه السلام) فِي جَسَدِ الأُمَّةِ الإِسلَامِيَّةِ

م.د خديجة حسن القصير/النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 173

لقد حمل الإمام السجّاد (عليه السلام) كلّ صفات الكمال التي ميّزته عن سائر البشر، فهو حجّة الله تعالى، والإمام المعصوم الذي لا يضاهيه أحد، وقد أدّى رسالته في إحياء دين الله تعالى والمحافظة عليه على أتمّ وجه على الرغم من الابتلاءات والصعوبات التي واجهها في حياته، ولاسيّما الضغط السياسيّ من قِبل الحكومة الظالمة، وقد كان كلّ ذلك في سبيل رضا الله تعالى وإحياءً لمبادئ دينه الحنيف من دون أن تأخذه في ذلك لومة لائم، ومن ثمّ فلابدّ لكلّ المسلمين من أن يتّخذوه أسوةً حسنة في جميع تفاصيل حياتهم، إذ إنّ في ذلك إحياءً لتعاليم دين الله تعالى وترسيخاً لعقيدة أهل البيت (عليهم السلام) وفكرهم، ثمّ الوصول إلى قمّة التكامل الإنسانيّ وإظهار الصورة الأصيلة للإسلام الصحيح بعيداً عن ملابسات التزوير والاحتيال الإعلاميّ التي يسعى إليها أعداء الدين. وضع الإمام (عليه السلام) العديد من المبادئ التي تهمّ الحياة المجتمعيّة وتنظّم أمور الأمّة في الميادين المختلفة، فقد ضرب أروع الأمثلة في تجسيد الخُلُق الإسلاميّ وسيرة الرسول الأعظم (صل الله عليه وآله) في التزاماته الخاصّة، وسيرته مع الناس، بل مع كلّ ما حوله من الموجودات. فهو القائد العظيم والهادي الذي جذب القلوب وامتلكها، وواجه المشاكل ووقف لصدّها بكلّ صبر وتُؤَدة وهدوء. فالصبر الذي تحلّى به بتحمّله ما جرى عليه في كربلاء وفي الأسر، وحديث مواساته للإخوان، والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام، بالبذل والعطاء والإنفاق، ممّا اشتهر عند الخاصّ والعامّ بعطفه على الرقيق، وعلى الأقارب والأباعد، بل على أعدائه وخصومه، ممّا سارت به الركبان. وأخبار عبادته وخوفه من الله تعالى وإعلانه ذلك في كلّ مناسبة، ملأت الصحف، حتّى خُصَّ بلقب (زين العابدين، وسيّد الساجدين)، ومن أمثلة خُلُقه الرائع: العفو، حيث بادر إلى مساعدة (هشام بن إسماعيل) الذي كان أميراً على المدينة للأمويّين، فعزلوه، فخاف من الإمام السجّاد (عليه السلام) أن يؤاخذه على ما كان منه، فمرّ به الإمام (عليه السلام)، وأرسل إليه: (استعنْ بنا على ما شئتَ) فقال هشام: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (الأنعام: 124)(1) وبهذا تمكّن الإمام (عليه السلام) من جذب قلوب الناس، حتّى ألدّ الأعداء، فكان سبباً لانفتاح الجميع على أهل البيت (عليهم السلام) ومذهبهم، وظهرت ثمرة تلك الأخلاق والجهود في يوم شهادته (عليه السلام)، فقد خرج الناس كلّهم، فلم يبقَ رجل ولا امرأة إلّا وخرج خلف جنازته بالبكاء والعويل، وكان كيوم استُشهِد فيه رسول الله (صل الله عليه وآله). ........................................ (1) بحار الأنوار: ج46، ص94.