رياض الزهراء العدد 167 منكم وإليكم
التَّربِيَةُ الفَاضِلَةُ.. الإمَامُ الحُسينُ (عليه السلام) مِثَالًا
إنّ من أبرز الملامح في شخص الإمام الحُسين (عليه السلام) هو الرجل الثوريّ صاحب كلمة الفصل أمام العالم بـ"كونوا أحرارًا في دنياكم"، وله ما له من تأثير فكريّ فينا، وما جسّده من قيم إسلاميّة كريمة جعل هذه القيم تستمرّ حتّى اليوم، ومن ثمّ فإنّ الناظر إلى ملحمته العظمى بوصفها المُلهم الأوحد للحريّة والفداء، سوف يرى صنفًا من أبنائه باسم عليّ الأكبر (عليه السلام)، ذاك الشّاب الذي كان في مقتبل العمر، لكنّه يترك كلّ متاع الدنيا ويلتحق بالمعسكر، فكيف أمكنه ذلك؟ لماذا لم يبقَ وكان بإمكانه ذلك؟ لكن هيهات، فالتربية الإسلاميّة الفاضلة التي غرسها الإمام الحُسين (عليه السلام) في ذلك الشاب منذ أن كان طفلًا صغيرًا تُحتِّم عليه النهوض لمواجهة الأفكار المنحرفة الضالّة التي تجعل المجتمع يتهاوى إلى الحضيض، ولا يخفى على أحد بأنّ شخصًا كالحُسين (عليه السلام) قد نشأ في كنف سيّد الخلق المربّي الفاضل رسول الله (صل الله عليه وآله) مستمدّاً جميع معالم التربية السامية من المصحف الشريف، كيف لا يكون بذلك المستوى من الحرص على تربية أبنائه تربية تليق بعترة الرسول (صل الله عليه وآله)، فهو يتّخذ من القرآن الكريم منهاجًا متكاملًا في حياته الشريفة جاعلًا هذه الآية نصب عينيه :(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6)، والآية المباركة تربِّي الإنسان المؤمن على أن يتّجه بالدعوة أوّل ما يتّجه إلى أهل بيته، وواجبه أن يؤمِّن هذه القلعة من داخلها، وأن يسدّ الثغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيدًا، فهذه التربية القويمة من قِبل الإمام الحُسين (عليه السلام) تجاه ابنه عليّ الأكبر (عليه السلام) جعلت منه البطل المدافع عن عقائد دينه ومجتمعه، لجعل ذلك المجتمع خالياً من السلوك المنحرف، فهو من الشباب الذين يجيبون بجدارة عن سؤال: وشبابكَ فيمَ أفنيته؟ ومن ثمّ لا يصل صاحب الأخلاق إلى هذه الدرجة إلّا بعد المرور بمرحلة من تربية النفس نحو الفضائل، وتنحيتها عن الرذائل؛ لأنّ العلاقة بين الأخلاق والتربية هي العلاقة بين النظريّة والتطبيق، فالأخلاق الفاضلة من عفو وحلم وعزّة وسخاء علم نظريّ راقٍ، والتربية تعويدُ النفس على هذه الأخلاق حتّى تصبح سجيّة، فيا مَن جعلتم الحُسين (عليه السلام) منارًا تعتقدون بأنّه الأصلح والأكفأ؛ فلنجعله قدوةً لنا في تربية الأبناء تربية صالحة سديدة شاملة.