أُمنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنَّى
على قيد الأمل يحيا هذا العالم الذي توارت شمس أحلامه خلف غيوم الفتن، في تَرقّبٍ شديد تُرى هل سيأتيه يوماً حدثٌ جميل يُحيل أيامه السود بيضاً؟ أيمكن أن تتحرّر أمنيّته بالسلام من قيود المستقبل المجهول؟ هل ستتحسّن أوضاعهُ ذاتَ صُدفة فينقشع ظلام الباطل عن سمائه ويتلألأ نور الحقّ فيها؟ وإن كان مُقَدّراً أن يحدث هذا فعلاً، فكيف؟ هل سيُولد سليمان جديد للأمّة فيُصلح ما أفسدته شياطين الإنس فيها؟، أم سيأتي موسى آخر حاملاً عصاه فيشقّ فيها الأرض هذه المرّة بدل البحر إلى شقّين ويعزل الأخيار عن الطُغاة؟. هل سَتَلدُ مريم أخرى مسيحاً جديداً فيربّت بكفّه على هذا المجتمع الميّت فيعيد إليه بإذن خالقه الحياة؟ تُرى هل سيحتاج الكون أعظم من صبر أيوب لتتحقّق واحدة من تلك الأمنيّات؟ ولو استطاع الصبر فعلاً فهل سيأتي محمّد جديد ليُرسي قواعده اللاهوتيّة في الأرض؟ ليس عجيباً حدوث شيءٍ كهذا، لكن العجيب حقّاً هو كيف وأين سيحدث؟ والبيت الوحيد المتوقّع ولادة الأمل المنتظر فيه مُحارَب ومُحاصَر.. لكن وكالعادة فإنّ الله تعالى إذا أراد شيئاً اخترقت مشيئته غياهب السجون والحُجُب، فقد وُلِد برعم شجرة العدل الإلهيّ، الموعود بإقامة القسط، في بيت سليل النبوّة الإمام العسكريّ(عليه السلام)، في ليلة ابتهجت فيها الأفلاك وتزيّنت بنجومها، وأُسدلت ستائر النور فحجبت الظُلْمة وجاء النهار مبكّراً فَرِحاً، واعتلت الشمس السماء وألقت بوشاحها الضوئيّ على الأفق، قد أنجبت نرجسُ(عليها السلام) وليدها المهديّ(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، فتفتّحت ورود النرجس بعنفوان وخجل وسعادة، فهو كان ولا يزال أمنيّة كلّ شائقٍ يتمنّى، قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين )(القصص: 5)، تلا هذه الآية في أيّام حياته الأولى بصوته الملائكيّ العذب الذي يشبه ترنيمةً من ألحان القدّيسين، وأخذ على نفسه عهداً بأن يحقّقها، وينتصر للمستضعفين من العباد.