وِلَادَةُ الخُلُودِ
في صباح يومٍ مشرق تلألأت الأرض بالسرور وابتهجت الملائكة في السماء، نعم إنّه اليوم الثالث من شعبان، يوم ولادة سبط رسول الله (صل الله عليه وآله)، إنّه الحسين (عليه السلام)، هذا الاسم الذي رافق الدمعة دائماً حتّى اقترن بها، فما ذُكِر اسم الحسين(عليه السلام) حتّى نزلت الدمعة بدون سابق إنذار، أهو حبّ واشتياق؟ أم إنّه عَبرة وعِبرة، فمثلما في ولادة أيّ طفل صغير تتهلّل وجوه أحبابه فرحاً، كذلك في ولادة السبط المنتجب، فقامت الملائكة صفّاً صفّاً، فوج ينزل إلى الأرض وفوج يصعد إلى السماء كلّها مهنّئة سيّد الخلق أجمعين بهذه الولادة الميمونة، ولكن الهدية اليوم مختلفة عن كلّ الهدايا التي قد تُهدى إلى طفل صغير، إنّها بشارة من السماء تحمل نبأ شهادة سبط النبيّ (صل الله عليه وآله). نعم في يوم ولادته نُصِبَ عزاؤه، ففي مُسند الإمام الرضا (عليه السلام) جاء: عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال حدّثتني أسماء بنت عُميس قالت : "... فلمّا كان بعد حول وُلِدَ الحسين عليه السلام وجاء النبيّ (صل الله عليه وآله) فقال: يا أسماء هلمّي ابني، فدفعتُه إليه في خرقة بيضاء، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ووضعه في حجره فبكى، فقالت أسماء بأبي أنتَ وأمّي مِمَّ بكاؤكَ؟ قال: على ابني هذا، قلتُ إنّه وُلِدَ الساعة يا رسول الله، فقال: تقتلُه الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي، ثمّ قال: يا أسماء لا تُخبري فاطمة بهذا فإنّها قريبة عهد بولادته...."(1) الله أكبر، ساعد الله قلب عليّ وفاطمة (عليها السلام). إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان له الدور الأعظم في حفظ رسالة جدّه رسول الله (صل الله عليه وآله)، فلو لا دم الحسين (عليه السلام) لما بقي الدين الإسلاميّ، ولما حُفِظ الحجاب والعفّة، ومن ثمّ فهي ولادة خالدة لا موت بعدها، فأصبح الإمام الحسين (عليه السلام) نور الله تعالى في أرضه وبابه للتوبة؛ لأنّه قَبِل الهدية وعمل بها، بل ضحّى بأعزّ ما يملك، ليس نفسه فحسب، بل بولده وإخوانه وأصحابه، والأصعب من ذلك سبي النساء العفيفات، فابتهجوا يا محبّين، فاليوم ميلاد شفيعكم الحسين (عليه السلام). ....................... (1) مسند الإمام الرضا (عليه السلام): ج1، ص345.