إِلَى صَاحِبِ الحَنَانِ
المدينة نائمة، تحفّها معاطف الغيوم، فضّة القمر تلمع على أوجه المصابيح المبلّلة الغافية البعيدة، وهناك في أقاصي عنفوان البرد، تحلم السماء بكَ أكثر من الأرض. كنتُ أعرف أنّ ما حدث لن يمرّ من دون أن يلقي بأكوام من الخيبة في طريقي، وأنّني سوف أنكمش وأتضاءل بحجم عُقلة إصبع ستغذّ السير في البحث عن عالم مخمليّ بعيد.. فركبتُ إحدى سفني الورقيّة وودّعتُ بعض دُمياتي التي على الرفّ.. لا أدري حقّاً إن كنتَ أنت مَن وضع نجمة في قنديلي، وربط مرساتي بغيمة.. ربّما أردتَ أن أدرك أنّه ثمّة عروة للشمس ونرجسة في قميص السماء.. لا أذكر متى وكيف صارت ذخيرتي في الحياة هي من مخازن الحروف، وكيف استحال القلم عصاً سحريّةً تُخرج البهجة والوجع من قبّعة الأحداث.. وحيث إنّكَ يا سيّدي قد تصدّقت عليّ بالحلم، كان لا بدّ من أن تتشابك الأمور كي أبقى عالقة فيه.. هل تعمّدتَ أن تُغلق جميع الأبواب كي أركض فقط نحو بابكَ؟! أو هل تحتاج عتمتي إلى كلّ هذه النار والأضواء؟! كم مرّة على العنقاء أن تلتقمني وتحلّق بي بعيدًا..، وما دمتَ قد سمحتَ لي أن أحادثكَ الآن وأنا متدلّية في الهواء.. فأنا على الأرجح في الدفء وربّما لا أدري! ولكنّني أفعلها حينما يدثّر الليل السماء، أنزل بحذر في قبو الروح، على سلالمي العتيقة التي تعرفها، درجة.. درجة.. أخطو على وقع صوتها المهترئ، أدوس شبّاك العناكب، أنفخ بعضها السابحة نحوي، أشعل عود ثقاب، أتصفّح شروخ الجدران، أجرّد من القلب الملاءات البيضاء المغبرّة ثم أجلس بهدوء، وأتحدّث مع أفكاري الخارجة من شقوق حائطه كالأشباح، والآن ماذا تريدين؟! أتكوّم أمامها، وأراقبني كلّ ليلة عن كثب، أبحث عن الحقيقة، لا أدري ما الذي أطارده في هذا العالم؟! إنّني أشعر بالخيبة منّي.. يا حارس الأرض وأحلام الضعفاء! متى سأتحوّل إلى نجمة تومض.. يا صاحب الحنان هل تسمعني؟