رياض الزهراء العدد 168 نور الأحكام
الصَّومُ... العِبَادَةُ الصَّامِتَةُ
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)/(البقرة: 183). حتى يعيش العبد في داخل نفسه الرقابة الذاتية على تحرّكاته بين يدي الله سبحانه وتعالى وبعيداً عن الناس، وليربّي فينا روح الإخلاص، وكتمان المعروف شرّع الله تعالى لنا هذه العبادة والتي افترقت عن باقي العبادات، حيث ورد في الحديث القدسيّ الشريف: "كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به"(1)، فالصلاة، والحجّ، والخمس، والزكاة وغيرها عبادات وجوديّة حركيّة قد يصاحبها- والعياذ بالله- شيءٌ من الرياء، والعُجب، والمنّ وغيرها، أمّا الصوم فلكونه عبادة صامتة فلا يتخلّله ذلك، فلذا ترى العبد يعيش اللذة الروحيّة، وتقوى في داخلهِ الإرادة النفسيّة، فيمتنع عن لذيذ الطعام والشراب في خلواته، وعن الشهوات واللّذات طوال النهار، ويترك ما حرّم الله وإن لم يشعر به أحد، وبهذا يتربّى العبد على الرقابة الذاتيّة، فيستشعر وجود الله(سبحانه وتعالى) في حياته، وعذاب الآخرة في غفلاته، فقد قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): "وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ جُوعَ يَومِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشِهِ"(2). وورد أيضاً عن المعصومين(عليهم السلام) قولهم: "فلِمَ أُمروا بالصوم؟ قيل: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش ويستدلّوا على فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً على ما أصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب مع ما فيه من الإمساك عن الشهوات"(3). ............................................. 1- المجازات النبويّة، الشريف الرضيّ: ج1، ص193. 2- وسائل الشيعة: ص23. 3- علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج1، ص340.