أَفرِغي ما في جُعبَتِكِ...

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 167

هو حافلٌ بالأفكار الإبداعيّة، ممتلئٌ إلى حدّ التخمة، لديه نَهَم بقراءة الكتب على اختلاف أنواعها، مثلما أنّه يحمل أرقى عناوين الشهادات، حيث إنّه لم يأخذ منها سوى العناوين التي لم تترك أثراً يُذكر في أفكاره أو سلوكه، فتجده يمشي مختالاً ليرى مَن حوله صورته الخارجيّة الملفتة للأنظار، وكلّما اقتربتَ منه تنوي اغتراف النزر القليل ممّا يتباهى به، وجدته جداراً صَلداً لا يسمح بنفاذ أيّ شيء إليه. لعلّكم عرفتم مَن المقصود؟ كانت تلك إشارات بسيطة تصف آفة البخل المؤذية المنهيّ عنها في شريعتنا السمحة، ومنها ما قاله الإمام عليّ(عليه السلام): "... وإيّاكم والبخل، وعليكم بالسخاء فإنّه لا يدخل الجنّة بخيل"(1)، فمَن تتمكّن منه تلك الصفة السلبيّة ستُدخله في نفق مظلم لا نهاية له، بل سرعان ما تتحوّل إلى وحش كاسر يغرس أنيابه في ذات الشخص البخيل أولاً ويرديه قتيل الأفكار السوداويّة، ومن ثمّ ينقضّ على مَن حوله ليُحيل حياتهم إلى بؤرة من التعاسة وتمنّي ما في أيدي الآخرين. ولعلّ من أخطر أنواع البخل هو عدم تقديم ما أنعم الله به عليه من علم نافع للمجتمع الذي هو في أشدّ الحاجة إلى كلّ جديد ومفيد، وهنا يُقال عنه: ضنينٌ بعلمه، ولا يقال: بخيل بعلمه، فقد كتم العلم ولم يؤدِّ حقّه في النشر، وعنه (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ العالِم الكاتم علمه يُبعث أنتن أهل القيامة ريحاً، يلعنه كلّ دابة حتى دوابّ الأرض الصغار"(2)، يا لها من رسائل للبشريّة جمعاء تبيّن أهميّة تبليغ العلم، وإيصال الكلمة الناجعة التي تحمل بين طيّاتها الكثير من الفائدة والمشاعر الإيجابيّة لمَن يحتاج إليها في حينها، فتكون البلسم والترياق الذي لا يُنسى مَن قدّمه على مرّ الزمان، ولربّما تكون معلومة علميّة دقيقة تثري أحد جوانب الحياة المهمّة لدى المتلقّي لها، فيكون الأجر مضاعفاً من الله سبحانه وتعالى. والبخل وكتمان العلم وبقاء المعلومة لدى الشخص بدون تحديث لها أو مشاركتها مع الآخر هي إحدى أسباب تلاشي العلم من الذهن، فالوفرة والثراء في العلم تأتي عند المشاركة والتبليغ، مثلما قال الإمام الباقر(عليه السلام): "زَكاةُ العِلمِ أن تُعَلِّمَهُ عِبادَ اللهِ"(3)، وعند تتبّع خطوات البخل سنجد النهاية لكلّ المخلوقات هي الموت الحتميّ، فكم من شخص بخيل حافل الذهن بأنواع المعارف والعلوم غمر كلّ ذلك وطمسه تحت التراب كي لا يتمتّع به غيره، فكان مصداقاً لقول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : "البخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، قريب من النار"(4). فليكنْ الحرص على أن تُفرغي ما في جعبتكِ من أفكار وعلم نافع، وتحرّكي كلّ الطاقات الكامنة في المجتمع؛ لتتحوّل إلى واقع ملموس مفيد لكَ ولمـَن حولكِ مغلّفٍ بمشاعر الحبّ والسعادة والطمأنينة. ....................................... 1- بحار الأنوار: ج‏1، ص‏141. 2- ميزان الحكمة: ج3، ص 378. 3- الكافي: ج‏1، ص‏54. 4- ميزان الحكمة: ج1، ص 244.