رياض الزهراء العدد 168 لنرتقي سلم الكمال
(فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ)(الكهف: 110)
قال تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)(الكهف: 110). لقاء الله لا يعني اللقاء الحسّي؛ لأنّه سبحانه ليس بجسم ولا يُرى بالعين، بل تكون المشاهدة لآثار عظمة الله وقدرته رجاء لقاء الله، ويختلف باختلاف أحوال الناس الإيمانيّة والعباديّة، وإنّ العبد كلّما كان أكملُ توحيداً وأخلصُ عملاً فسيتمنّى لقاء الله ويحبّه بخلاف غيره. فاللقاء ليس بالأمانيّ؛ بل لابدّ من عقيدة صافية وأعمال صالحة ونيّات صادقة. وللوصول إلى هذه الغاية على المؤمن تهذيب نفسه وتخليصها من الذنوب وسلطان الهوى والأنا، فيبدأ أولاً بالتفكّر بالحقّ(سبحانه وتعالى)، ثمّ يهيّئ نفسه بالعمل الصالح لقوله تعالى: (فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا)(الكهف: 110)، وردت بصيغة الأمر، ولا يكون العمل صالحاً إلّا إذا كان في مرضاة الله وخالياً من الشوائب الدنيويّة كحبّ الجاه أو حبّ المال... وإلخ. فالإيمان بدون عمل لا ينفع، والعمل الصالح وحده لا يكفي، فهما مقترنان معاً، ففي رواية عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: "لو أنّ عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله(سبحانه وتعالى) والدار الآخرة فأدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركاً"(1). ولكي يكون المسير إلى لقاء الله صحيحاً لا بدّ من الاقتداء برُسل الله وحُجَجه لقوله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)(الأحزاب: 21). ولمّا عزم الإمام الحسين(عليه السلام) على المسير إلى كربلاء خطب في الناس قائلاً: "مَن كان فينا باذلاً مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحلْ معنا، فإنّي راحل مُصبحاً إن شاء الله"(2)، إنّ حبّ محمّد وآل محمّد (صلوات الله عليهم أجمعين) هو الذي صنع لوحة كربلاء بأبهى صورها. وتوطين النفس على لقاء الله يكون عن طريق تثبيت المعرفة بالله بالتأمّل والمطالعة، وهذه المعرفة رغم قيمتها إلّا أنّها تبدو ناقصة، فلابدّ من إكمالها بالأعمال الصالحة كالصلاة، والصيام، وبرّ الوالدين، وإيواء اليتيم، ومساعدة المحتاجين، وغيرها من الأعمال. فلقاء الله هو الوصول إلى الكمال الحقيقيّ الذي خُلق الإنسان لأجله. ......................................... 1- بحار الأنوار: ج 69، ص297. 2- بحار الأنوار: ج44، ص367.