طِفلي في الشَّهرِ الفَضِيلِ

دلال كمال العكيليّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 140

اهتمّ الإسلام بالطفل والطفولة أيّما اهتمام، وجعل رعاية المؤمن لأبناءه من الواجبات، وتربيتهم التربية الإسلاميّة أمانة في أعناق الأبوين، عليهم القيام بها حقّ القيام، وتأديتها حقّ الأداء، ومن أهمّ ما ينبغي الاهتمام به والحرص عليه هو تعويد الأبناء على أداء فرائض دينهم، وتربيتهم عليها منذ وقت مبكّر؛ كيلا يَشقّ الأمر عليهم حين البلوغ، ولأنّ شهر رمضان يُعَدّ من الشهور المباركة، وهو فرصة عظيمة لغرس حبّ الصلاة والصوم في نفوس أطفالنا وتدريبهم على أداء فريضته العظيمة مع مراعاة أعمارهم وحالاتهم الصحيّة، وهذه المهمّة ليست بالسهلة، وإنّما تحتاج إلى جهد كبير ويقظة تربويّة وتشجيع ومسؤوليّة. كوننا نعيش اليوم أجواء الشهر الفضيل استطلعت رياض الزهراء(عليها السلام) آراء بعض النساء اللاتي خضنَ تجربة تدريب الطفل على الصيام، فتعالوا لنطّلع على تجاربهنّ: التعلّم في الصغر الأستاذة ولاء الموسويّ تحدثت عن تنمية الوازع الدينيّ لدى الطفل وأهميّة التعلّم في الصغر، وما له من تأثير مستمرّ: قيل بأنّ التعلّم في الصغر كالنقش على الحجر، وإنّ حالات الأمّ التي تمرّ بها وما تفعله في أثناء حملها كلّ ذلك يؤثر في نشأة الطفل، لذا فإنّ الطفل يأتي إلى الحياة وهو كوعاء خالٍ، والوالدان وبخاصّة الأمّ تملؤه وتقولبه كيف تشاء، وكلّ حركة وفعل يقوم بها الأهل أمام أطفالهم تؤثر فيهم، فينشؤون بما تربّوا عليه، وبما يرونه أمامهم، وما يلتقطون من كلام أو تصرّف من قِبل عائلاتهم، حتى إن لم يقصد الأهل فعل أمر معيّن أمام الطفل، أو يغفلون عن التدقيق في تصرّفاتهم وأقوالهم، لكنّ الطفل يعمل كآلة الكاميرة التي تلتقط الصور وتسجّل الصوت لتوثيقه بأرشيف الذاكرة، وبهذا يتعلّم الطفل من أسرته قبل كلّ شيء، فلو أردنا تنمية الوازع الدينيّ لدى الطفل في شهر رمضان وبقيّة الأشهر فلا بدّ من أن يكون ذلك عن طريق تصرّفاتنا، فما يراه منّا يتعلّمه، والتأثير بهذه الطريقة أفضل من الأمر والنهي المباشرينِ، فعن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: "كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم"(1)، الذي يشير إلى أهميّة التطبيق والالتزام من الفرد نفسه ليعكسه على مَن حوله. صيام العصافير الأستاذة فاطمة صالح شاركتنا تجربتها مع توائمها الأربعة وشغف الشوق للشهر الفضيل: بدأت استعداداتي في تعليم أبنائي - وكانوا أربعة توائم: ولدين وبنتين حين بلغوا السبع سنوات - على كيفيّة صيام شهر رمضان، وعدم شرب الماء، والتحمّل والصبر لساعات طويلة، فكانت تجربة جميلة ذات روحانيّة، حيث بدأتُ أدرّبهم في أواخر أيام شهر شعبان على الصيام المتقطّع فيصومون إلى حين وقت صلاة الظهر، وعندما تتبادر في أعينهم التساؤلات يجدونني أبادرهم بالمعلومة، فمثلاً أقول لهم: أنتم في مرحلة عمريّة صغيرة وغير مجبرين على الصيام، ونحن في مرحلة تدريب نطلق عليها اسم: (صيام العصافير)، وهكذا حتى قدوم شهر رمضان للعام الثاني كانوا مستعدّين لصيام يوم كامل، وكنت أقسّم ساعات النهار بين النوم بعد صلاة الفجر والاستيقاظ قبل صلاة الظهر، وقد يعودون إلى النوم في ساعات الظهر الطويلة في نهار الصيف، وقبيل وقت الإفطار بساعتين تبدأ مرحلة إعداد وجبة الإفطار، ويبادرونني في اختيار أصناف الأكل والحلويات، والمشاركة في إعداد السَّلَطَة وتحضير المائدة ونقل الأواني، فتكون هاتان الساعتان تتّسمان بالمتعة والتعاون بين أفراد أسرتي، والفرحة الكبرى حين نجتمع على مائدة الرحمن وقراءة الدعاء الخاصّ بالإفطار، وبلوغنا صيام اليوم التالي حتى إتمام الشهر الفضيل بأكمله. فرصة المشاركة أمّ زهراء تحدّثت عن أهميّة مشاركة الأطفال في التحضيرات والاستعدادات لاستقبال شهر رمضان المبارك: نتلهّف لاستقبال شهر رمضان، وهذا ما شاركتُ به أطفالي إذ تكون أولى مساهمتهم في تزيين المنزل بأشياء منزليّة بسيطة تُبرز جمال أجواء شهر رمضان، سواء على مائدة الطعام أم أركان البيت المختلفة، كذلك إعطاء الفرصة للمشاركة في اختيار نوع الطعام الذي سيتمّ تجهيزه لوجبة الإفطار، فذلك يشعرهم بحبّ المشاركة في المائدة الرمضانيّة، ومن ثمّ حبّ الصوم للقيام بهذه المشاركة، كنوع من المكافأة لهم. ابتدأتُ مع بناتي قبل مرحلة التكليف بالإعداد والتدريب والتعويد، إلى أن وصلنا إلى مرحلة التكليف، فكان سهلاً على أطفالي أداء الواجبات والفرائض، وشهر رمضان هو فرصة مناسبة جداً للبدء بتدريب الطفل على الصلاة والصوم لما يحمله من أجواء روحانيّة مناسبة. طعام طفلي تحرص كثير من الأمّهات على تعويد أبنائهنّ وهم صغار على الصيام، وللأطفال رغبة في مشاركة أهلهم الصيام حبّاً وشوقاً؛ لكون شهر رمضان يحمل أجواءً روحانيّة وطقوساً خاصّة، وفي هذا الجانب شاركتنا السيّدة زينب الأسديّ تجربتها قائلةً: سؤال قد يطرأ على بال الأهل مع بلوغ الأولاد سنّ التكليف الشرعيّ وضرورة التزامهم بالعبادات وعلى رأسها الصيام، لا يضرّ الصوم الطفل السليم الذي تعدّى عامه الثامن، أمّا مَن يعانون من الضعف وبعض الأمراض المزمنة فلابدّ لهم من مراجعة الطبيب ليتمّ معالجة الأمر قبل البدء بالصيام، وأهمّ ما يُشار إليه في هذا الصدد هو الاهتمام بغذاء الطفل بما أنّه في مرحلة النموّ، وإدراج الأصناف التي تضمن تنوّعاً غذائيّاً غنيّاً بالعناصر الضروريّة. يُصاب الطفل بهبوط كبير في نسبة السكّر في المدّة الفاصلة بين السحور والإفطار، فيميل بشدّة إلى تناول الحلويات، ومن الممكن إضافة ما هو مفيد لصحّته مثل التمر والزبيب والعسل عوضاً عن الحلويات الصناعيّة الضارّة، وبسبب الجوع الشديد يكون الطفل متسرّعاً في تناول طعامه والانتهاء منه، لذا يجب تنبيهه على ذلك وتشجيعه على مضغ الطعام جيداً، والتناول بهدوء حتى لا يُصاب بسوء الهضم و مشاكل أخرى. يتجاوز الأطفال هذه المرحلة بحيويّة وبفرح غالباً؛ لأنّها تشكّل لهم نوعاً من الإشراك في النشاط الاجتماعيّ وتحدّي الذات، ومن ثمّ له تأثير بليغ في زيادة الثقة بالنفس، وبحسب تجربتي وجدتُ الصوم عند الأطفال في شهر رمضان هو الوقت الأمثل لتصحيح عادات طفلي الغذائيّة الخاطئة، حيث استطعتُ تنظيم أوقات الطعام والشراب وتحديد النوعيّات المثاليّة للطعام، لذا يمكنكِ استثمار الصيام لمصلحة طفلكِ وتعويده على نظام غذائيّ صحيّ، وفي الوقت نفسه تعويده على الصيام. لكلّ أمّ تجربتها مع طفلها وهي كثيرة ومتنوّعة وعن طريق تلك التجارب نستفيد، وهناك أساليب وطرق تُستحدث في تربية الطفل تربيةً دينيّة وليكون فرداً صالحاً في المجتمع يجب علينا اتباعها واستثمار شهر رمضان المبارك، ونسألُ اللهَ تعالى أَنْ يرزقَنا خيرات هذا الشهر وبركاته، ويَرْزقَنا مِنْ فضائله وأجوره، ولا يحرمنا مِن العمل الصالح فيه وفي غيره. ...................................... (1) أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع: ج1، ص191.