إفطارٌ عَلى لَحمِ مَيّتٍ

عبير كاظم المنظور/ البصرة
عدد المشاهدات : 248

من الرذائل الأخلاقيّة التي نهى عنها الإسلام وأكّد على تجنّبها هي الغيبة. و "الغيبة، هو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه، فإن كان صدقاً سُمّي غيبةً، وإن كان كذباً سُمّي بهتاناً"(١). وتتأكّد حرمة هذا العمل السيّئ في شهر رمضان المبارك؛ لأنّ الصائم في هذا الشهر يحاول قدر الإمكان المحافظة على صومه وتعبه، سواء صوم الجوارح أم صوم الجوانح، وللتأكيد على هذه الجوانب وَصَفت بعض الروايات الغيبة بأنّها تُفطر الصائم! مثلما ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "الغيبة تُفطر الصائم"(٢). وفي وصيّة له قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ".. يا عليّ احذر الغيبة والنميمة، فإنّ الغيبة تُفطر، والنميمة توجب عذاب القبر...."(٣). مثلما جاء عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال: "مَن اغتاب مسلماً أو مسلمة، لم يقبل الله تعالى صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة، إلّا أن يغفر له صاحبه"(٤)، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "مَن اغتاب مسلماً في شهر رمضان، لم يُؤجر على صيامه"(5). ولو تأمّلنا جيداً في ظاهر الروايات أعلاه يتبادر إلى الذهن أنّ الغيبة تعدّ مفطراً مادياً للصائم، ولكن في الحقيقة الأمر لا يعدو كونه إفطاراً معنوياً بحسب رأي أغلب الفقهاء والمراجع، أي إنّ الصيام صحيح لكن لا يؤجر الصائم عليه، وهنا لا ينال الصائم المستغيب من صيامه إلّا الجوع والعطش. فيجب على الصائم أن يجتنب المفطرات المعنويّة كاجتنابه المفطرات الماديّة، فالصيام ليس امتناعاً عن طعام وشراب ماديّ، وإنّما تجنّب للطعام والشراب المعنويّ أيضاً، فالصيام الحقيقيّ هو معادلة التوازن بين صيام الروح والجسد في حركة تفاعليّة للارتقاء مفاهيميّاً وسلوكيّاً في هذا الشهر الكريم، وتكون ثمرة شهر رمضان الحقيقيّة. فهل هناك شيء في الدنيا يستحقّ بأن نُفسد صيامنا من أجله، ولا نؤجر على تعبنا ونصبنا فيه؟! وكلّنا يعلم أنّ القرآن الكريم شبّه لنا الغيبة تشبيهاً معنويّاً دقيقاً بقوله تعالى: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)(الحجرات: 12). فهل نتخيّل أنفسنا في شهر رمضان الذي اعتدنا فيه أن نتهيّأ لموعد الإفطار الماديّ، ونترقّب موعده إنّنا نسبقه ونُفطر معنوياً على لحمِ ميّتٍ؟! .................................. 1- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: ج١٠، ص٤٠٦. 2- مستدرك الوسائل: ج٩، ص٨٤. 3- تحف العقول: ج6، ص1. 4و5- مستدرك الوسائل: ج٧، ص٣٣٨.