رياض الزهراء العدد 81 من عبق الماضي
أَيامُ (اﻟﻠّﻤﺒﭽﻲ) اندَثَرتْ مَع حُلولِ الكَهرَباء
في كلّ زمان يحتاج الإنسان إلى النور ليضيء به المنازل والطرقات، إذ كانوا يعمدون إلى اللّمبة أو الفانوس لاستخدامها في حياتهم اليومية؛ لذا ظهرت الحاجة لهذه الصناعة فسُمّي الذي يعمل عليها بـ (اﻟﻠﻤﺒﭽﻲ) أو صانع الفوانيس واللّالات، وتعدّ هذه المهنة من المهن القديمة التي كانت تناسب ذلك الزمن، فكان اﻟﻠﻤﺒﭽﻲ يضيء الفوانيس النفطية في الأزقة قبل الغروب، ويأتي لإطفائها مع الفجر، فترى الأزقة مع المنازل مضاءة توحي بنبض الحياة والسعادة. يعتمد صانعو اللّمبات في هذه المهنة على مواد أولية بسيطة من علب الصفيح لعمل القاعدة، ويستخدم الزجاج معها ولقد اكتسبت بعض العوائل لقبها من هذه المهنة فيُطلق عليها (بيت اﻟﻠﻤﺒﭽﻲ). إنّ مصادر الإضاءة البسيطة هذه كانت من الأهمية بمكان بحيث ضُربت بها الأمثال، ونسج الشعراء منها أبياتهم، وعلى ذكر المثل القائل (من عشاك على ضواك) أي قصّر في العشاء، لتكسب الضوء والإنارة. كان عامل الفوانيس يدور في الأزقة حاملاً معه سلّمه الخشبي وقطعة القماش، فيحرص على تنظيف اللّمبات وملئها بالنفط؛ لتكون جاهزة عند الغروب. ويتقاضى اﻟﻠﻤﺒﭽﻲ راتبه من البلدية إضافة إلى إكراميات الأهالي. كان الفانوس أنيس العوائل في الليالي الخوالي إذ يجمعها على ضوئه لتناول العشاء وسرد الحكايات وتداول الأحاديث العذبة، حتى ينفضّوا ويبقى وحده يحترق بلا أنيس. ظلّ الناس على هذا الحال حتى اكتُشفت الكهرباء ودخلت العراق عام 1917م ونتيجة التطور الحاصل أصبحت اللمبة لا تفي بالغرض؛ لذا اتجه الناس لاستخدام الكهرباء بشكل كبير، فأغلقت محلات اﻟﻠﻤﺒﭽﻴﺔ وتحول أصحابها إلى مهن أُخر، حتى جاء عصر الطاغية صدام فعادت هذه المهنة للانتعاش، وأصبحت الحاجة إلى الفانوس واللمبة ضرورية بعد ذلك جاءت المولدات الكهربائية واستمر الناس عليها، ولحبّ العراقيين للتطور والازدهار تحدّوا كلّ شيء في سبيل إعادة الكهرباء لعهدها الذهبي فنلاحظ في الآونة الأخيرة تحسن الكهرباء، وإن شاء الله يستمر هذا التحسن، واندثرت مهنة (اﻟﻠﻤﺒﭽﻲ) وأصبحت في ذمة الخلود ولكن عبقها يذكّرنا بالزمن الجميل.