النَّحلَةُ جُندِيَّةٌ مُخلِصَةٌ

زينب عبد الله العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 182

مع إشراقة كلّ صبح جميل تهبّ إلى العمل، تنتقل من زهرة إلى أخرى لتصنع العسل، شِعارها التعاون ودِثارها الأمل، مخلوقة مباركة تحدّث عنها الكتاب العزيز، وضُرب لنا بها المثل في الروايات، تُرى لِمَ لا نكون مثلها في عملها ونشاطها، ودقّتها وهمّتها، وجميل صُنعها وعظيم أثرها؟ كوني كالنحلة.. سلسلة مقالات هادفة، تأخذكم في جولة رائعة إلى عالم النحل العجيب، و تدعوكم إلى العمل الدؤوب. يذكر علماء الأحياء أنّه عند بلوغ النحلة ثمانية عشر يوماً من عمرها، تقوم بالمناوبة للحراسة على باب خليّتها؛ ولأنّ لكلّ خليّة رائحة مميّزة تقف النحلات الحارسات على مدخل الخليّة لتفتيش النحلات القادمات، والتأكّد من أنهنّ من ضمن أفراد الخليّة ولسنَ غريبات متطفّلات! ويذكرون أيضاً أنّ الله تعالى قد زوّد كلّ نحلة بسلاح فتّاك، متمثّل بحويصلة من السمّ متّصلة بإبرة حامية تطعن بها مَن يقترب منها، أو يدور حول خليّتها هنا أو هناك، وإذا هاجم الخليّة عدد كبير من الأعداء، فإنّ الكثير من النحل يخرج للدفاع بتفانٍ وإخلاص ووفاء، فكلّ نحلة في الخليّة هي جنديّ مخلص للمملكة، مجبول بحسّه الفطريّ على الدفاع عنها بكلّ ما زُوِّدَ به من أجهزة وقدرة على الصدّ والحركة، وكأنّها تُرسل بذلك رسالة إلى أعدائها من قلعتها الصامدة: الويل لمَن يقترب منّا، فلن نتركه إلّا جثّة هامدة! رسالتنا اليوم من عالم النحل: لن نسمح باستباحة أرضنا، وكلّنا فداء لتراب وطننا وحماية مقدّساتنا. إنّ حبّ الأوطان من الغرائز المودعة في نفس كلّ إنسان، ولولا ذلك لما ازدهرت الحياة وعمرت البلدان، ولكن لا بدّ من أن يُترجم الحبّ للوطن إلى أفعال صالحة، ومبادرات متقنة ناجحة، تهدف إلى الارتقاء به والنهوض بمستواه لينال مكانته بين الأوطان، ويبقى مرهوب الجانب يخشاه أهل الباطل والطغيان، الذين لا همّ لهم إلّا الثراء والسلطان، ولو على حساب سحق الشعوب وتدمير الإنسان، ومن هنا كان على مدى الأزمان رجال شجعان، ينذرون دماءهم للدفاع عن الأرض وردّ العدوان. وكان للمرأة دورها في سند أخيها عند كلّ محنة دفاعاً عن وطنها، وحبّاً لأرضها التي تأبى أن تُدنّس، وكلّنا رأينا بأمّ العين ما فعلته المرأة العراقيّة في دعم حشدنا الشعبيّ المقدّس، فكلّ ما شهدناه من بسالة الأبطال في ميادين القتال، كان نتاج الحجور الصالحة التي غذّتهم بحبّ الخالق المتعالي، ولم تكتفِ المرأة بذلك، بل عمدت إلى التبرّع بالحُلي والأموال، وحرست البيوت وربّت الأطفال في ظلّ غياب الرجال، مثلما كرّست جهدها لدعم إخوتها وأولادها عبر القلم والمنبر ووسائل الاتصال؛ لتقول للعالم بلسان الحال والمقال: إنّ بلداً يتواجد في الميدان بشِيبه وشبابه، رجاله ونسائه وأطفاله، لن يُقهر، وسيبقى عزيزاً مهما كانت الظروف والأحوال، وقد صدقت وبرهنت على بطولاتها بالصبر والثبات والكفاح والتضحيات، حتى دُحِر الأعداء وعادت الحياة، وسيبقى موقفها خالداً مهما مرّت السنين وتعاقبت الأجيال.