رياض الزهراء العدد 168 جائحة كورونا
السُّلَالَةُ الجَديدَةُ وشائِعاتُ التَّخويفِ
في الوقت الذي بدأ العالم يتأقلم مع الأوضاع التي فرضتها الجائحة أثيرت المخاوف مجدّداً بعد تفشّي السلالة الجديدة للفيروس، وأسهمت الشائعات بتهويل الأحداث بشكلٍ كبير. تقول الأخبار الوافدة من أوربا التي تشهد انتشاراً مهولاً لكورونا، وبحسب مراكز البحوث العالميّة: إنّ السلالة الجديدة للفيروس شديدة العدوى، ولديها القدرة على الانتشار بطريقة أسرع من السلالة الحاليّة، ولكن يمكن السيطرة عليها، مثل باقي السلالات الأخرى المعروفة للفيروس، والأعراض الأوليّة هي نفسها، والتي تشمل السعال المستمرّ وآلام الصدر والحُمّى وفقدان القدرة على التذوّق والشمّ والقشعريرة. ولكن نجد تضخيماً للحدث انتشر في مواقع التواصل الاجتماعيّ، وعلى الرغم من أنّه شعر الكثير من الناس بالخوف والقلق من كورونا وهي حالة طبيعية، إلّا أنّ هناك حالات غير طبيعيّة وتحتاج إلى تدخّل طبيّ بحسب علم النفس، وهو مرض الخوف ويسمّى علميّاً "الخوف المَرَضيّ" الذي يتحوّل من مجرّد خوف إلى فوبيا، أو رعب مبالغ فيه تجاه أيّ خبر عن هذا الفيروس ويصل إلى الموت أحياناً. تكمن صعوبة هذه الحالة في أنّ الكثير لا يعلمون أنّهم مصابون بهذا المرض، وكذلك ربّما لا ينتبه لهم المحيطون بهم، فتزيد معاناتهم مع كلّ شائعة تطلق أو خبر حول الأمور التي يخافونها. في الحقيقة الوضع لا يحتاج إلى التهويل، فهي مدّة قاتمة غير معروف متى وكيف تنتهي، ومع هذا دائماً يعمل العقل الجمعيّ البسيط على تهويل الأمور، وأكثر المروّجين للشائعات التي تثير الترهيب وتخويف الناس يحسبونها منشوراً عادياً يكسبون من ورائه بعض الإعجابات وردود الأفعال، غير مدركين أنّ هناك مَن هم مصابون بحالة الخوف المرضيّ. والبعض الآخر لديهم أهداف ومصالح وهم يعملون على هذه الفئة من الناس؛ لأنّهم سيروّجون لهذه الأخبار ويسهمون في انتشارها بدون قصد، ودافعهم الوحيد هو "الخوف المرضيّ". الأمر ليس مبالغاً فيه، فقد قرأنا في قصص التاريخ الكثيرة عن وَهْم المرض أو الخوف المرضيّ الذي أدّى إلى الموت. أحدها كانت لهتلر الذي حكم ألمانيا النازيّة في المدّة ما بين 1933 و1945، الذي أصدر حكماً على ثلاثة ضبّاط لأنّهم لم ينفذّوا أوامره بالحرف فقال لهم: سأعذّبكم ستّ ساعات قبل أن تموتوا وذلك بإطلاق الغاز السامّ عليكم، ولكنّه لم يطلق هذا الغاز، وما فعله هو وضع كلّ شخص في غرفة مظلمة معصوب العينين مربوطاً بالكرسي، ووضع أنبوباً ينقط ماءً وصوت موسيقى غريبة يسمعها، وبعد أربع ساعات وُجِدَ أحدهم ميتاً والآخران كانا يصارعان الموت، فالذي حصل هو أنّ العقل لمّا اقتنع بأنّ هناك غازاً سامّاً تفاعل الجسم وأفرز مادّة قاتلة. يجب الحذر من الأفكار التي يشكّلها العقل فتقتل صاحبها، مثلما يجب توعية المجتمع بخطورة المنشورات التي تعمل على تضخيم الأمور، أو نقلها بدون تأكّد وتبيان إلى المتلقّين والمدوّنين لما تحمله من سلبيّات تؤثّر نفسيّاً وتهدّد صحّة الكثيرين.