رياض الزهراء العدد 168 منكم وإليكم
(..إلّا الصَّابِرُونَ) (القصص: 80)
(صاد باء راء) ثلاثة أحرف تشكّل كلمة صغيرة قليلة الأحرف، كبيرة المعنى، عميقة التأثير، سمعنا بها كثيرًا، وحاول المجتمع بأفراده والحياة بعناصرها تعليمنا الصبر؛ لكنّنا نأبى، أو بصورة أكثر دقّة لا نفهم معنى الصبر. الصبر حالة من السكينة وَسط الأعاصير، مظلّة في يوم ممطر، وشعاع وَسط الظلام، الصبر لا يعني ألّا نشعر بالألم، أو أن نتحمّل الألم فنبدو بخير من الخارج ومحطّمين من الداخل، الصبر هو أن نرى الخير حتى وإن تألّمنا، أن نستشعر الرحمة في خضمّ الأزمة، أن نكون شاكرين الله وبصدق على كلّ ما نمرّ به ونحمده على الدروس المستفادة، والصبر على الحياة هو أول أشكال الصبر التي نمرّ بها، فنصبر على المرض، وعلى عدم امتلاك كلّ شيء، وعدم استطاعتنا أن نكون الأفضل، وعدم قدرتنا على أن نكون في كلّ مكان، وعدم مُضيّ الوقت إلى الأوقات التي نحبّ ونريد، وجهلنا الدائم، بعد ذلك الصبر على الدين، وهو القيام بالصلوات الخمس يوميًا، والصيام لشهرٍ سنويًا، وفعل البرّ والتصدّق ومحاسبة النفس، ثمّ نتعلّم الصبر على الناس، فهم مثلنا خطّاؤون يفكّرون مثلما نفكّر، ويشعرون مثلما نشعر. إن فكّرنا بالصبر يمكننا أن نعرف أنّه أحد متطلّبات الحياة التي قد لا نعطيها حقّها، ولهذا جاء القرآن الكريم ليذكّرنا بذلك أكثر من مرّة، ومثل ذلك قوله (سبحانه وتعالى): (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ)/(القصص: 80). ربط الله (سبحانه وتعالى) الفلاح في الدنيا والآخرة بالصبر، ورفعه منازل عليا، وأثابنا عليه، فهل نبدأ بالتدرّب على الصبر؟ لماذا نتدرّب؟ لكي نزرع الخصال السامية في النفس، نحن بحاجة إلى تهيئة أنفسنا، وسقي بذور هذه الخصال بشكل مستمرّ، ومدّها بالغذاء والضوء والرعاية، لا أحد يستيقظ ذات صباح فيجد نفسه في أعلى مراتب الصبر، كلّ شيء يأتي بالتدريج، فلا تقسُ على نفسكَ ولا تُهمل تدريبها، فذات يوم ستقطف ثمرة الصبر، وستتذوّق حلاوتها.