رياض الزهراء العدد 168 منكم وإليكم
دُرُوسٌ في أخلاقِ الإمامِ المجتبى (عليه السلام)
من مقوّمات الحياة عامل الأخلاق، وقد أدّت الأخلاق ولا تزال دورًا مهمًّا في تقدّم الأمم وديمومتها، ويعدّ عامل الأخلاق صمّام أمان لكلّ مرافق الدولة، فهو الضابط المكين الذي يضبط النشاط الاقتصاديّ، والسياسيّ، والثقافيّ. فجعلت الأمم جلّ اهتمامها بالأخلاق، فوضعت الضوابط الأساسيّة لحفظ القيم الأخلاقيّة. والدين الإسلاميّ هو أهمّ الروافد الأساسيّة للأخلاق، فهو يمدّها بالروح والحيويّة عن طريق ربط الإنسان بالله (سبحانه وتعالى) وبالآخرة. إذ تحتاج القيم الأخلاقيّة إلى مَثَل مكين يستطيع تطبيقها بكلّ كفاية وجدارة، ومثلما هو ثابت فإنّ التطبيق الفذّ يُكسب القِيَم الأخلاقيّة ميزة الحيويّة والواقعيّة، فالأخلاق تنأى عن الوصف، وبمعنى آخر فإنّ القِيم الأخلاقيّة لابدّ من أن تتحوّل إلى واقع يعيشه المجتمع. من هنا فإنّ الأنبياء والأوصياء جاؤوا بطاقة خلّاقة لتطبيق القِيم الأخلاقيّة، ممّا سهّل استيعابها وتطبيقها، قال الله (سبحانه وتعالى): (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ..)(الحجّ: 41). وقد أحدثت أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نقلة نوعيةً في مسار البشريّة بحيث تسلّقت في مدّة قصيرة قمّة الفضائل والخُلق الرفيع، وقد خلقت أخلاق رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قناعة لدى الكثير بواقعيّة القِيم الإلهيّة وحيويّتها، وقد تمكّنت الأخلاق الإسلاميّة من قلوب الذين تمرّدوا على الجهل، وشقّت طريقها إلى نفوسهم، فتحوّلت إلى حقل خصب أخذ يحتضن الأخلاق الرفيعة، ويجسّدها بشكل رائع في الاستقامة والصمود. وهكذا أورقت الشجرة النبويّة فأعطت أُكُلها كلّ حين بإذن ربّها، فملأت الخافقين، وكان من الشجرة المحمّدية الإمام أبو محمّد الحسن بن عليّ الزكيّ (عليه السلام). فالإمام الحسن (عليه السلام) نسخة حية من شخصيّة سيّد الكائنات رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). فلقد تداخل الإمام الحسن (عليه السلام) في عمق رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ ليكون الامتداد الحيّ في الخَلق والأخلاق. ومن أهمّ صفاته (عليه السلام) الكرم، فقد سُئل ذات مرّة: لأيّ شيء لا نراك تردّ سائلاً؟ فأجاب: إنّي لله سائل وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً، وإنّ الله عوّدني عادة أن يفيض نِعمه عليّ، وعوّدته أن أفيض نِعمه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة، وأنشأ (عليه السلام) يقول: إذا ما أتاني سائلٌ، قلتُ مرحباً بمَن فضلُه فرضٌ عليّ معجّلُ ومن فضله فضلٌ على كلّ فاضلٍ وأفضل أيام الفتى حين يُسألُ(1) ويجب أن نقرأ عن كرم الإمام الحسن (عليه السلام) كمنهج للتسامح الاجتماعيّ، ونعمل على تأهيل المجتمع بهذه الصفة، علمًا أنّ أهل البيت (عليهم السلام) جميعهم يتّصفون بالكرم، إلّا أنّ الظروف التي عاشها الإمام الحسن (عليه السلام) اقتضت وساعدت على بروز هذه الصفة في شخصيّته بشكل أجلى وأوضح؛ لأنّه كان حريصاً على رعيّته من الفقراء والمحتاجين. ................................ 1- تذكرة الخواصّ: ص184.