رياض الزهراء العدد 168 صحة العائلة النفسية
تَخوُّفُ الشَّبابِ مِنَ الزَّواجِ
هناك الكثير من الناس الذين يتحدّثون باستمرار عن المستقبل، وعن خوفهم من أحداثه بشكل كبير فيضيّعون فرصة الاستمتاع بحياتهم ولحظاتهم الجميلة بتخوّفهم منه، وإنّ الخوف يكون على نوعين، هما: 1- الخوف الموضوعيّ: يعني وجود خطر حقيقيّ يُرعب الإنسان. 2- حالة الرِّهاب: هو الخوف الذي ينشأ نتيجة مواقف مرعبة ومخيفة قد مرّ بها الإنسان، وقد يُصاب به الفرد بدون وجود سبب حقيقيّ للخوف، ومن أنواعه الشعور بالخوف من الزواج وتفضيل العزوبيّة وعدم الارتباط لبقية العمر، والخشية المطلقة من تأسيس عائلة، وتخيّل الحياة الزوجيّة وكأنّها جحيم دائم للإنسان، وهذا الخوف هو أكثر الحالات النفسيّة شيوعاً والذي يُصيب الرجل والمرأة قبل الزواج، وهو أمر طبيعيّ لأسباب عدّة يمكن أن تكون بسبب تغيـُّر الوضعين العائليّ والنفسيّ، أو الأمور الأخرى الكثيرة والمتشابكة، ومنها التعلّق بالأهل والخوف من الابتعاد عنهم، وبعض التجارب الشخصيّة الفاشلة في تكوين العلاقات خارج النطاق الشرعيّ، وسماع قصص زواج فاشلة وغير ناجحة، وانعدام الأمان الشخصيّ، والمشاكل العائليّة داخل البيت كانفصال الوالدين في أثناء مرحلة الطفولة وطلاقهما، أو سوء معاملة الوالدينِ بعضهما البعض ممّا يؤدّي إلى تكوين صورة سيّئة ومخيفة عن العلاقات الزوجيّة، ولاسيّما إذا كان الوالدانِ في حال شجار دائم يتمثّل بالضرب، فضلاً عن الخوف من عدم القيام بالواجبات الزوجيّة عند الرجال، وعدم التمتّع بالجمال لدى النساء، والعديد من أنماط الاكتئاب المختلفة المؤدّية بطبيعتها إلى رفض الشخص فكرة الزواج والابتعاد عنه، وعدم تمكّن الشخص من تحمّل المسؤوليّة واتخاذ القرارات المصيريّة، مع اختلاقه الحجج والأعذار للهروب من الالتزامات، مثل ضيق الوقت والظروف الماليّة السيّئة أو عدم التمكّن من تحمّل مسؤوليّة إنجاب الأطفال. إنّ مشكلة الخوف من الزواج مشكلة كبيرة، وهي نتاج طبيعيّ لمشاكل اجتماعيّة وتربويّة وثقافيّة، ولحلّ هذه المشكلة لا بدّ من أن يهبّ الجميع للالتفاف والقضاء عليها، فقد تتطلّب طبيباً مختصّاً للتعامل معها بشكل صحيح عن طريق العلاج السلوكيّ والمعرفيّ والتحليليّ، وتقديم النصائح للحدّ من الخوف من الزواج، وتكون بتحديد مصدر الخوف بدقّة، إذ إنّ الكثير من الأشخاص لا يشعرون بالخوف من الزواج بحدّ ذاته، وإنّما يشعرون بالخوف من مقتضيات الزواج وما ينطوي عليه من احتمالات الفشل لكونه مصيراً غامضاً ومواجهة مشاعر الخوف، ولا بدّ من أن يعلم الأفراد أنّ الزواج يختلف تبعاً لاختلاف الأشخاص، فلا يعني فشل الحياة الزوجيّة بين الأب والأمّ أنّه سيؤدّي إلى فشل كافّة العلاقات الزوجيّة الأخرى، مثلما أنّ الحديث والتعبير عن مشاعر الخوف قد يؤدّي إلى تحسين مهارات التواصل الاجتماعيّ، ولابدّ من أن يدرك الأشخاص أنّ للحياة الزوجيّة بعض المنغِّصات، ولكنّها لا تعني تدهور العلاقة الزوجيّة والانفصال، لأنّها تنطوي أيضاً على لحظات جميلة ملؤها السعادة والسرور، وأنّ التخطيط الجيّد المسبق لها يعدّ أمرًا مهمّاً لنجاحها واستمرارها. وأخيراً علينا أن نعرف أنّ الإسلام يحثّ على الزواج، إذ إنّه من سُنن الأنبياء والمرسلين مثلما ورد في كتابه الكريم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)(الرعد: 38)، وهو من آيات الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون)(الروم: 21).