حِوارُ الأَصنامِ
العُزّى: يا ويلنا سنغدو تراباً بعد حين. اللّات: ما الخطب؟ مناة: ألم تسمع أنّ النبيّ محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) قادم إلى مكّة لتهديمنا. اللّات: لن يستطيع، فقريش أجمع ستقف معنا في وجهه، ولن تتركنا. العزّى: ها هو قادم مع عشرة آلاف مقاتل من المهاجرين والأنصار سينسفوننا نسفاً يا صاح. مناة: لقد جاء فاتحاً بعدما انتهكت قريش الهدنة، ونقضت بنود صلح الحديبيّة. العزّى: دقائق وسنكون هباءً، فلقد دخلوا مكّة من الجهات الأربع، ولا مقاومة تُذكر على الإطلاق. اللّات: أينَ سدنتنا؟ أيعقل أن يولّوا هاربين؟ العزّى: أجل، لقد فعلوها، فهذا يوم تشخص فيه الأبصار. مناة: لقد كنتَ يا عزّى أعظم الأصنام عند بني كنانة، أعظم منزلة ومكانة ألّا تحرّك ساكناً؟ العزّى: لا شرف بعد اليوم إلّا للإسلام. اللّات: وا حسرتاه.. أهكذا تكون نهاية الأصنام الثلاث بعدما شكّلن تاريخاً ثالوثياً أنثوياً عبده العرب قبل الإسلام، معتقدين أنّنا الثلاث بنات الله..! العزّى: هذا يوم لا ينفع فيه التقديس إلّا لله لا إله إلّا الله.. محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). مناة: وا كُرباه... أهكذا نُذلّ ونخزى؟! اللّات: لقد كانوا يحملونني في أثناء الحروب في قبّة، وينصبون لي بيتاً في معسكر الجيش لبثّ الشجاعة بين الجنود، مثلما في معركة أحد. مناة: أمّا عنّي أنا فقد غَرُبت أيام عزّي، وكنتُ المعظّم عند الأوس والخزرج، وكانوا لا يصلّون إلّا بقربي، ويحلقون رؤوسهم ويقيمون عندي. العزّى: أنا أولى منكم بالندب، فلقد كانت العرب وقريش تُدعى باسمي: (عبد العزّى)...لكن اليوم سنُدكدك مع أصنام الكعبة الثلاثمائة والستين. اللّات: يا ويلنا، وكأنّي أسمع صوتاً يردّد: اليومُ يومُ الملحمة، اليوم تُسبى الحُرمة(1) العزّى: أصغوا جيداً، لقد وصلني نداء على النقيض: اليوم يوم المَرحَمة اليوم تُحمى الحُرمة(2) مناة: إنّ رحمة الدين الجديد تؤطّر مكّة بنورها الوضّاء. العزّى: ها قد دخل النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) يطرق أرجاء مكّة على ناقته القصواء واضعاً رأسه على الرحل؛ تواضعاً لربّه، وهو يقول: "اللّهمَّ إنَّ العيش عيش الآخرة"(3) اللّات: نعم، لقد دخل فتحه المجيد من دون قتال، وبدون أن يحرّك غمدٌ، أو يُشهر سيفٌ، أو تجرّد قناة. مناة: حقّاً.. إنّ هدير موجة الحقّ: (لا إله إلّا الله) هو السلاح الأمضى من أيّ سلاح. العزّى: حتى أعظم أصنام الكعبة "هُبل" ناله الدمار، ودخل النبيّ الكعبة واستلم الحجر الأسود، وكلّما مرّ بصنمٍ منها أشار إليه بقضيب في يده مردّداً: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)(الإسراء: 81). اللات: يا لرحمة هذا النبيّ، فلقد عفا عن أهل قريش قائلاً: - ما تظنّون وما أنتم قائلون؟ أجابه أحدهم: - نظنّ خيراً ونقول خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. فأجابهم: - مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، فإنّي أقول كما قال أخي يوسف: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(يوسف: 92). وتحطّمت جميع الأصنام فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه. ................................ (1) شرح نهج البلاغة: ج ١٧، ص ٢٧٢. (2) المصدر نفسه. (3) بحار الأنوار: ج20، ص 238.