رياض الزهراء العدد 168 ألم الجراح
سَيِّدَةُ الإِرَادَةِ
بلا موعد الْيَوْمَ ترسم الأفكار على هواها، وجه سيّدة جليلة تفيض خشوعاً وحنيناً تشرق نوراً على القبّة الذهبيّة، تتوكّأ على عكّازة الذكريات اعتادت أن تظهر متهجّدة، متعبّدة في ليالي شهر رمضان، في عرس ملائكيّ مهيب على هيئة سرب حمام أو قافلة من أغصان الزيتون تحطّ السلام في دهاليز مدينتي القديمة وتمسح عن نوافذها غبار الألم والآهات في عتمة الليل. وتطفئ بيديها الحانيتين مواقد الحزن في القلوب، وتغسل أوراق اليُتم من تعب الحروف. تحمل ترياقاً عجيباً تطلقه في أوردة الأفئدة، تهيم به المشاعر الإنسانية أنهاراً من فرح و ضياء ترتق الأرواح المثقوبة؛ لتعيد أفراحها المسلوبة بين غيابات الأسماء نعم فبين التسبيحات النهاريّة، والتراتيل القرآنيّة جاء نهار يحمل الوجه الكريم لتلك السيّدة العظيمة (خديجة الكبرى (عليها السلام))، يُنثر عطرها مع حمامات بيضاء لتعيد إلى تجاعيد مدينتي الحزينة أحلامها الثكلى، وتدفع عن ذاكرتها أشباح الذكرى التي تركها حطام الفراق جاءت لتحطّم كلّ المرايا الكاذبة التي لم تعد تعكس روح القداسة في الأرجاء وأنطقت لسان الزمن بعواطفه الثائرة بحبّ محمّد الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ليخبرنا بأنّ سامراء ليست حزناً أبديّاً، وأنّ جرحها مهما كان عميقاً فسيشفى وسيزول الداء منها وأنّ الليل مهما كان ثقيلاً، فستقهره الشمس وتهزمه الأضواء وتستمدّ الأرض عشقاً من روحها المتسامية وإخلاصها الفريد وإيمانها الصادق الذي عرف المعنى الحقيقيّ لحقّ النبوّة وملأ قلبها دفء شعاعه واليوم ومع ذكرى رحيل وجودها الملكوتيّ، وبعد أن فقدت عينا حبيب الله ووهجها القدسيّ وغابت قسمات وجهها النورانيّة عن الكون ها هي تهبط من عليائها ليطلّ جبينها الوضّاء في ساحات القداسة ويستحيل وجودها إلى قطرة من طُهر، وتنسكب ماءً معيناً تغمر سامراء بفيض الحنان، وتضمّد برفق آهاتها، وتلملم أشواق المعصومين (عليهم السلام) وتنثره عبيراً من أنفاسها الرقيقة يملأ كلّ الحواسّ، فتشرق بها الأرواح وتتقلّد باحات سامراء الخاشعة أوسمة الولاء والكرامة لتضيف بسمات أمّ المؤمنين العظيمة (عليها السلام) السيّدة خديجة الكبرى المشرقة إلى مدينة الحبيب نوراً من شرفها، وعظمة من عظمتها كأنّه الكوكب الدريّ من الساعة وحتى قيام الساعة.