أُمّ النّجُومِ أَضاءَتْ بِنُورِهَا دُنيَانا

تيسير حازم الحلو
عدد المشاهدات : 194

أم البنين اكتسبت كنيتها من جدّتها (ليلى العامرية)، حيث كان من عادة العرب منذ الجاهلية تُكنى بها المرأة التي تلد ثلاثة أولاد فأكثر، وهذه المرأة الجليلة لم تكن باباً من أبواب الحوائج فقط، وإنما كانت في كلّ مرحلة من مراحل حياتها درساً ومنهجاً، فعندما تقدّم أمير المؤمنين (عليهم السلام) لخطبتها بيّن أهم الصفات للزوجة الصالحة، وجعلها بذلك مثلاً بكلّ ما تحمله من صفات، إضافة إلى النسب الطيب، حيث كانت تنتمي إلى قبيلة من أشرف القبائل العربية، فقد طلب من أخيه عقيل قائلاً: "انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب; لأتزوّجها، فتلد لي غلاماً فارساً". فقال له: تزوّج بأُمّ البنيّن الكلابيّة، فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها.(1) وبلغ من عظمها ومعرفتها وتبصّرها بمقام أهل البيت (عليهم السلام)، أنّها لمّا أُدخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ وكان الحسنان مريضين ـ أخذت تُلاطف القول معهما، وتُلقي إليهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب، وما برحت على ذلك تُحسن السيرة معهما وتخضع لهما كالأُم الحنون، ولا بدع في ذلك فإنّها حليلة شخص الإيمان، قد استضاءت بأنواره، وربّت في روضة أزهاره، واستفادت من معارفه، وتأدّبت بآدابه، وتخلّقت بأخلاقه.(2) وقد جسدّت نموذجاً فريداً للمرأة التي تتفهم موقع زوجها وتسانده، إضافة إلى احتوائها أولاده بجعلهم أولادها، حتى إنها تخلّت عن اسمها إكراماً لهم ومراعاة لمشاعرهم، وفاقت حدود الحنان بأن جعلت أولادها فداءً لهم، فصنعت منهم دروعاً محصنة بالإيمان والوفاء لتصون أمانة الزهراء (عليها السلام)، وحينما عادت السبايا إلى المدينة كان همها الأساسي استعلام أخبار الإمام الحسين (عليه السلام) قبل أولادها، وقد اتخذت من أسلوب الندبة والنياحة سبيلاً للنداء بمظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) فكانت تحمل عبيد الله بن العبّاس وتخرج إلى البقيع تقيم المآتم على قتيل العبرات وتندب أولادها أشجى ندبة؛ لتفضح الحكام الظلمة وأتباعهم. توفيت السيدة أم البنين (عليها السلام) في الثالث عشر من شهر جمادى الآخرة بعد أن قامت بأدوارها المهمة في حياتها من رعاية شؤون الحسنين (عليهما السلام) وتربية أبنائها وتوجيههم لفداء الإمام الحسين (عليه السلام) وخاصة قمر العشيرة أبا الفضل العباس (عليه السلام)، وبلغت بذلك المراتب العليا حتى أصبحت باباً للحوائج، فما أروع الحياة، حين تزهو بها أمثال هذه الأم التي بحنانها تملك القلوب لتنشر السلام وتبني مجتمعاً تسودهُ المحبة. ............................. (1) العبّاس (عليه السلام): ص18. (2) العبّاس (عليه السلام): ص126.