قَلبُ عَالَمِ الإِمكَانِ
إذا كُنّا نأخذ الفتاوى من المراجع، فما الحاجة إلى الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)؟! بقطع النظر عن مدى إيلام هذا التساؤل عند صدوره عمّن يدّعي التشيُّع لأسبابٍ كثيرة، أهمّها إشارته إلى عدم معرفة السائل بإمام زمانه وقد رُوي عنه (صل الله عليه وآله): «مَن مات لا يعرف إمامه، مات ميتة جاهليّة»،(1) فإنّه يشتمل على مغالطةٍ كبيرة؛ إذ إنَّ للإمام إلى جانب مهمّته في بيان الأحكام الشرعيّة مهامَّ عظيمة لا تَنافيَ بينَ قيامِه بها وبين غيبته. ولذا فإنَّ الروايات التي أكّدت على ضرورة وجود الحجّة نفسها قد أوضحت عدم ضرورة ظهوره، وقد رُوي عن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: «لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهرًا مشهورًا أو خائفًا مغمورًا لئلّا تبطل حُجج الله وبيّناته».(2) والإمامة امتدادٌ للنبوّة، بل إنّ الأخيرةَ لم تكن تُؤتي بأُكُلِها لولا التبليغ بالأولى، بشهادة آيةِ التبليغ. وعليه، فللإمام كامل الأدوار التي كان يقوم بها النبيّ(صل الله عليه وآله) سوى تلقّي الوحي الإلهيّ؛ فالإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) اليوم يُمثّل يد الله تعالى الغيبيّة التي تعمل على حفظ دين الله تعالى، فقد رُوي عنه(صل الله عليه وآله): «إنّ في كلّ خلفٍ من أمّتي عدلاً من أهلِ بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المُبطلين وتأويل الجاهلين»؛(3) وذلك بتسديده العلماء ومساعدتهم في الحفاظ عليه. مثلما أنَّ له (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) التأثير البالغ في تكامل الأمّة، فممّا رُوي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «إنَّ الأرض لا تخلو إلّا وفيها إمام كيما إن زاد المؤمنون شيئاً ردَّهم وإن نقصوا شيئاً أتمّه لهم»(4)، والدعاء للمؤمنين، مثلما جاء عنه (عجّل الله تعالى فرجه الشريف): «لأنّنا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يُحجب عن مَلِك الأرض والسماء».(5) هذا فضلاً عن الحفاظ عليهم من صروف الدهر وكيد الأعداء، مثلما ورد عنه (عجّل الله تعالى فرجه الشريف): «إنّا غير مُهملينَ لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء».(6) فغيبته (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) لا تُقعده عن القيام بمهامّه، ولا غروَ في ذلك؛ فقد تحدّث القرآن الكريم عن الخضر (عليه السلام) وما قام به من أدوار في حفظ الأمن الاقتصاديّ، والعقائديّ، ورعاية الضمان الاجتماعيّ، رغم جهل الناس بشخصه. بل إنَّ من أبرز ألقابه (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) القائم، فهو القائم بجميع مهامّه في جميع آونةِ حياته، ومنها غيبته، وقد رُوي عن جابر الأنصاريّ أنّه قال: «يا رسول الله فهل ينتفع الشيعة به في غيبته؟ فقال (صل الله عليه وآله): إي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم لينتفعون به: يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإنْ جلَّلها السحاب». (7) نعم، تختلف شدّة إضاءة الشمس في حال غيبتها عنها في حال الظهور، ولكن تبقى آثارها الحيويّة ساريةَ المفعول؛ ومن ثمّ يتوقّف استمرار الحياة على الأرض بل الكون على بقاء الشمس وديمومتها وإن جلّلها السحاب، وكذا الإمام، فهو (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يُمثِّل قلب عالم الإمكان النابض، الذي إنّما هو حيّ بنبض الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وباقٍ ببقائه، فلابدّ من وجوده وإن كان غائباً. ................................... (1) شرح الكافي: ج6، ص334. (2) بحار الأنوار: ج36، ص250. (3) كمال الدين: ج١، ص٢٤٩. (4) شرح الكافيّ: ج5، ص123. (5) بحار الأنوار: ج ٥٣، ص١٧٧. (6) الاحتجاج: ج ٢، ص٣٢٣. (7) تحف العقول: ص170.