رَبِيعُ القُلوبِ

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 219

قال الله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (الفرقان:30)، كلمات بسيطة التركيب، غزيرة المعنى، تحمل بين ثناياها ضجيج الاستياء من أفراد كان حريّاً بهم أن يكونوا مقرّبين ومساندين وعاملين بهذا النور القويم، ولكن ما حدث هو العكس تماماً، ممّا دعا رسول الله(صل الله عليه وآله) أن يبثّ شكواه عِبر كلمات تنمّ عن ضيق قلبيّ لما وصل إليه قومه من جهل، سيطر ويسيطر إلى يومنا هذا على أغلب أمّة الرسول الكريم(صل الله عليه وآله). ولو أخذنا جولة فاحصة لما تحمله كلمة (يهجر) من معانٍ كثيرة لوجدناها تُطلق على الابتعاد عن الشيء الذي من الطبيعيّ وصله، فالقرآن الكريم أمام أعيننا، وحيثما ذهبنا نجده وقد تمّ تزيينه بأجمل الأشكال، وقد طُبع بأجود أنواع الورق وأكثرها جمالاً، حيث كان الإبداع حتّى في تلوين الأوراق على حسب الأجزاء، مثلما أنّه من أفضل الهدايا التي تُوضع في العُلب الفاخرة والمرصّعة بالجواهر الثمينة، وقد يوجد بأحجام صغيرة جدّاً للحفظ والأمان، فهو هناك في الحقائب النسائيّة والسيّارات، وغيرها الكثير من الأماكن التي لا تُعدّ ولا تُحصى . ويأتي السؤال هنا: ألسنا نحن أيضاً ممّن هَجَر القرآن الكريم؟ ألسنا نحن أيضاً ممّن اشتركنا بهذه الصفة السلبيّة التي اشتكى منها رسول الله(صل الله عليه وآله)؟ هَجْر القرآن الكريم هو سلوك يكون فيه الابتعاد عنه وعن قراءته، ونجد هنا أنّ أساس الهَجْر الظاهريّ هو هجر داخليّ لدى الإنسان، ولعلّنا عندما نُلقي نظرة على هَرَم المستويات نجد أنّ الخلل ربّما في ضعف الهويّة الإسلاميّة، أو تدنّي روح الانتماء إليها، فتتشكّل غشاوة مُظلمة تحجب النور القرآنيّ، إذ أصبح البعض يستغرب عندما يسمع صوت القرآن الكريم يصدر من مكان ما، فيكون السؤال السريع الذي يتبادر إلى الأذهان: ماذا حدث؟ مَن مات؟ وكأنّ القرآن الكريم فقط للقراءة في المناسبات الحزينة! وأصبح وسيلةً تذكّر الأشخاص بالمآسي التي حدثت، بل الأدهى والأمرّ من ذلك عندما يتجرّأ البعض على القول: أطفئ صوت القرآن الكريم لأنّنا نريد أن نتحدّث، فقد أغلقوا بأيديهم باباً من أبواب الرحمة الإلهيّة، مثلما قال سبحانه: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف: 204)، وكذلك تناسوا أنّ القرآن الكريم هو ربيع القلوب، وأيّ ربيع؟ هو كلام الله ، وما أجمله من كلام يُثلج الصدور ويريح النفوس: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28) وهنا يجب علينا أن نقف وقفة نحاسب بها أنفسنا ونُعيد ترتيب أولويّاتنا ونتأمّل هَرَم المستويات المنطقيّة، فنعمل عن طريقه على تنظيم التربية السليمة وهي القاعدة الأساس في البيئة الأسريّة المحفّزة، وعن طريقها نعزّز الهويّة والانتماء إلى دستورنا العظيم، وبوصلة السعادة لحياتنا الدنيويّة والأخرويّة، فنستثمر القدرات بما يُرضي الله (عزّ وجل) لنثبّت المعتقدات الصحيحة في منظومتنا الفكريّة، وتكون الغاية الأساس هي نيل رضا الله تعالى، فهي الخيمة الكبيرة التي نستظلّ تحتها من شرور الزمان ونستمتع بربيع دائميّ لقلوبنا التي تستحقّ الأفضل دوماً.