فِي العَجَلَةِ النَّدامَةُ
هاتي يديكِ، امسحي دموعكِ، ستمضي الأمور إلى خير إن شاء الله تعالى، (تحاول أمّ زهراء أن تخفّف عن نبأ). أمّ زهراء: الآن وقد هدأتِ، لابدّ من أنّكِ عرفتِ خطأكِ في حقّ نفسكِ؛ وكذا في حقّ صديقتكِ، لأنّكِ لم تحسني التصرّف؛ فأنّكِ تعجّلتِ في الحكم عليها دونما رويّة، مثلما يقول الإمام عليّ (عليه السلام) :«أصل السلامة من الزَلَل الفِكر قبل الفعل والرويّة قبل الكلام».(1) أمّ جعفر: حبيبتي نبأ، دموعها تدلّ على سلامة الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الناس، من المؤكّد أنّها لا تحبّ إيذاء أحد؛ بخاصّة صديقتها، مثلما عرفناها مؤدّبة طيّبة، ولكن لعنة الله تعالى على الشيطان. نبأ: لا أدري كيف انطلق لساني بتلك الكلمات الجارحة، لم يكن أمام عينيّ سوى صُور قاتمة. أمّ حسين: اعلمي يا ابنتي أنّ ثورة الغضب تُعمي بصيرة الإنسان، وتصوّر له ما يملي عليه الشيطان من سوء الظنّ، وتقوده إلى الوقوع في الزَلَل. أمّ زهراء: لذلك حذّرنا النبيّ الأكرم (صل الله عليه وآله) بقوله: «احذر الغضب فإنّه جند عظيم من جنود إبليس».(2) ثم أردفت: إلّا الغضب مِن أجل إقامة الحقّ أو نُصرة المظلوم. أمّ جواد: من لطف الله تعالى بنا وعظمة شريعتنا الإسلاميّة أنّها وضعت الحلول لكلّ مشكلة، ومنها التسرّع والغضب، فإن عمل بها الإنسان وَقَتْهُ من تلك العواقب السيّئة. أمّ حسين: نعم، علّمنا أهل البيت (عليهم السلام) بعض الأساليب، منها: أن يغيّر الإنسان وضعيّته من قيام أو جلوس، أو غسل الوجه أو بذكر الله تعالى والصلاة على محمّد وآل محمّد فهو رحمة للعالمين، قال الجميع بصوت واحد: اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد. أمّ جعفر: أغلب جرائم القتل - أجارنا الله - هي بسبب سوء الظنّ وعدم التروّي والتفكير فيما صار إليه من قول أو فعل ومن ثمّ إلى الندم. أمّ زهراء: اللّهم أَجِرنا، يحضرني حديث للإمام الصادق : «مع التثبّت تكون السلامة، ومع العجلة تكون الندامة».(3) أمّ نبأ: طبعاً أنا لستُ راضية عن فعل ابنتي، ولكن أعرف مثلما أنتم تعرفون، طيبتها وحبّها لزهراء ولاشكّ في أنّ زهراء كانت تبادلها المحبّة والمودّة. أمّ زهراء: ولاتزال، ولكن هي كابنتي أرى من واجبي أن أعرّفها على خطئها؛ كي لا تقع فيه أو في ما أسوأ منه - لا سمح الله -. أمّ نبأ: ولذلك كنتُ فَرِحة مطمئنّة لعلاقتها بزهراء. نبأ: زهراء أقرب صديقة لي، بل هي أختي لأنّي ليس لديّ شقيقة، و لا أريد أن أفقدها. أمّ زهراء: لا، لا يصل الأمر إلى ذلك إن شاء الله تعالى، ومن ثمّ نحن بشر ومعرّضون للخطأ، ولكن علينا أن نستفيد من أخطائنا، ولا نكرّرها. نبأ: لكنّي جرحتُها، وربّما لن تسامحني. وفي هذه الأثناء جاءت زهراء وألقت التحيّة، ردّ الجميع بأحسن منها، فيما قامت نبأ من مكانها نحو زهراء - بلا مقدّمات - قالت: أرجو أن تقبلي اعتذاري. زهراء صامتة ... أمّ زهراء: عليكِ قبول الاعتذار... أمّ جعفر: فلها عليكِ حقّانِ. أمّ حسين: الأوّل حقّ الأخوّة والعِشرة الطيّبة. أمّ نبأ: الثاني إنّها جاءت إليكِ معتذرةً، وقد عرفت خطأها. زهراء: (تراوح بين الرضا والرفض): هكذا إذن الجميع اتّفق عليّ. وبنبرة المزاح ردّ الجميع: نعم.. نعم كلّنا عليكِ. أمّ جعفر: طبعاً عليكِ بحبّنا وطيبتكِ. زهراء: وما عساي أن أقول.. أمّ زهراء: مثلما أنّ الاعتذار شجاعة فالسماحة كَرَم. زهراء: القول ما قلتم. .................................... (1) غُرر الحِكم: ج١، ص١٧. (2) ميزان الحكمة: ج٥، ص٥٦. (3) ميزان الحكمة: ج٦، ص١١٠.