رياض الزهراء العدد 169 لحياة أفضل
الصَّبرُ رَفِيقُ القَبرِ
أخذ الصبر في الفكر الإسلاميّ مساحة كبيرة من القرآن الكريم والسنّة النبويّة، وتراث أهل البيت (عليهم السلام)، وهو خلاف الجزع. والصبر في اللغة: "أصل الصَّبْر الحَبْس، وكلّ مَن حَبَس شيئاً فقد صبَره"(١). وفي المعنى الاصطلاحيّ: حبس النفس ومنعها عن المحرّمات والشهوات، وعدم الشكوى والجزع عند النوائب. وممّا لا شكّ فيه أنّ جميع العبادات وأعمال الخير لها أثرها الوضعيّ في عالم الدنيا، وكذلك في عالم البرزخ والآخرة؛ لأنّ الأعمال تتجسّم في تلك العوالم، وبخاصّة الصبر. فحينما نطالع بعض الروايات عن أثر الصبر في القبر نتوقّف عندها قليلاً ونتأمّل محتواها بنظرة ثلاثيّة الأبعاد - إن صحّ التعبير- لأنّ محتواها أعمق ممّا نظنّ بكثير بحسب ظاهرها، منها ما جاء عن الإمام الصادق(عليه السلام): "إذا دخل المؤمن في قبره، كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبرّ مطلّ عليه ويتنحّى الصبر ناحيةً، فإذا دخل عليه الملكانِ اللذانِ يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبرّ: دونكم صاحبكم فإن عجزتم منه فأنا دونه"(٢). وبنظرة سريعة على محتوى الرّواية ندرك أهميّة الصبر ودوره الكبير في مساءلة القبر، حتّى إنّه يقف دون صاحبه إن عجزت عنه الصلاة والزكاة والبرّ! وقد يستغرب البعض من مكانة الصبر عند المساءلة في القبر، وتقدّمه على الصلاة وهي عمود الدين، ولكنّه أمر طَبيعيّ بنصّ القرآن الكريم، فكثير من آيات الصبر في القرآن نراها مقرونة مع أعمال الخير والبرّ وجميع العبادات، وبخاصّة الصلاة، مثلما هو واضح من قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة: ٤٥). وكذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إنّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: ١٥٣). ومحصّلة ما ورد في الآيتين أعلاه هو: ضرورة الاستعانة بالصبر والصلاة مع ملاحظة تقديم الصبر على الصلاة، وكون المعيّة الإلهيّة مع الصابرين وليس مع المصلّين في ذيل الآية الثانية! وهو شيء طبيعيّ أن يقدّم الصبر على الصلاة والزكاة والبِرّ؛ لأنّ الدين كلّه عبارة عن صبر، صبر على الطاعة وصبر على المعصية، ولعلّ علّة ذلك يعود إلى أنّ الصبر يساعد على تهذيب النفس من كلّ ما يتعلّق بزخارف الدنيا وبهرجها، ومن ثمّ وصولها إلى الكمالات المعنويّة، ممّا يسهّل الدخول في العبادات بخشوع وخضوع وقلوب مطمئنّة. ولهذا عبّر الإمام الصادق (عليه السلام) عن الصبر بقوله: "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان"(3). ولهذا لا نستبعد الفضل العظيم للصبر، وأجر الصابرين في الدنيا والآخرة، وأهميّة الصبر عند مساءلة المَلكينِ في القبر. ........................... (1) لسان العرب: ج٤، ص٤٣٧. (2) الكافي: ج٢، كتاب الإيمان والكفر، باب الصبر، ص٩٠، ح٨. (3) الكافي: ج٢، ص٨٩، ح٤.